الصيام جُنة

01:03 صباحا
قراءة دقيقتين
1

د. سالم بن ارحمه الشويهي
شرع الله لنا الصيام ليكون وسيلة عظمى لتقواه، جل في علاه. والتقوى كلمة جامعة لكل خصال الخير، قال علي رضي الله عنه، في تعريف التقوى: «هو الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل».

وقال طلق بن حبيب رحمه الله: «التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله».

وعرفها آخرون فقالوا: «هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه».

وسأل عمر رضي الله عنه، الصحابي الجليل أُبي بن كعب رضي الله عنه عن معنى التقوى، فقال: «يا أمير المؤمنين: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى.. قال: فما صنعت؟ قال: شمّرتُ واجتهدت.. (أي: اجتهدتُ في توقي الشوك والابتعاد عنه)، قال أُبي: فذلك التقوى».

وأخذ هذا المعنى ابن المعتز، رحمه الله، فنظمه وقال:

 خَلِّ الذُنوبَ صَغيرَها وَكَبيرَها فَهوَ التُقى

 كُن فَوقَ ماشٍ فَوقَ أَرضِ الشَوكِ يَحذُرُ ما يَرى

 لا تَحقِرَنَّ صَغيرَةً إِنَّ الجِبالَ مِنَ الحَصى

 قالت عائشة رضي الله عنها: «أقلِّوا الذنوب، فإنكم لن تلقوا الله عز وجل بشيء أفضل من قلة الذنوب».

وقال الفضيل بن عياض: «ما عملت ذنباً إلا وجدته في خُلُق زوجتي ودابتي». وقال أبو سليمان الداراني: «لا تفوت أحد صلاة الجماعة إلا بذنب».

لذا فإن المؤمن العاقل يجتهد في البعد عن الذنوب، ويهجر أهل المعاصي والذنوب.

وتقوى الله في السرِّ هو علامة كمال الإيمان، وإن في الصوم تدريباً على تقوى الله، عز وجل، وعلى ترك المعاصي، فالصوم يقهر الطبع ويكسر النفس ويحدُّ من الشهوة، لأن الشّبع والرّيّ يحملان النفس على الأشر والبطر والغفلة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء».

وقال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جُنة».أي: وقاية من الوقوع في المنكرات، فينفرد الصوم من بين العبادات بأنه قمع للغرائز عن الاسترسال في الشهوات التي هي أصل البلاء على الروح والبدن، ولا مؤدِّبَ للإنسان كالكبح لضراوة الغرائز فيه، والحدِّ من سلطان الشهوات عليه. بل هو في الحقيقة نصر له على هذه العوامل التي تُدَسِّي نفسه، وتبعده عن الكمال. كما قال تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»، والصوم من أسباب الامتناع عن المعاصي، ولذلك شرع الصيام ترويضاً للأجسام على الصبر، وتقويماً للأخلاق، وتهذيباً للنفوس، وتعويداً لها على ترك ومجانبة المنهيات والتزام الأوامر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"