الإيقاعات لاتسقط بالتقادم

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يجوز إحياء القضايا الأدبية القديمة؟ يجوز، إذا كان الزمن قد تجاهل أن اللبس فيها لا يزال قائماً؟ خاض المعاصرون معارك كثيرة، في العمودي وقصيدة النثر، ولم ينتصر أحد على أحد. السبب سوء تعريف الأشياء.
إحياء الملف مهمّ. أوّلاً حتى يدرك واضعو المناهج، أن تدريس بحور الشعر، لا علاقة له بقديم أو حديث، ولا حتى بتاريخ الأدب كمادّة. تلك الإيقاعات ضرورية للدماغ لأنها ترقص على حبلين: رجل في الرياضيات والأخرى في الموسيقى. الذين يتوهمون أن الأوزان «موضة قديمة»، طريقة تفكيرهم وإدراكهم بالية.
جانب آخر، الخلط فيه مأساة، يقع فيه الكثير من المثقفين، بدليل أن فهم هؤلاء لو كان دقيقاً ونقّاداً وقّاداً، ما كانت أصلاً تنشب معارك من قبيل: «بين العمودي والحرّ» وما إليها. لأن الأوزان لا علاقة لها من قريب أو بعيد ومطلقاً، بطبيعة النص ومضمونه ودلالاته وأبعاده ورؤاه وأفكاره. فخ الالتباس القديم، الذي وقع فيه القدامى فجرّوا إليه المعاصرين، هو استخدام عبارة «أوزان الشعر»، في حين كان القدماء يعرفون الفارق بين النظم والشعر. المتنبي قال: «غضبتُ له لمّا رأيتُ صفاته.. بلا واصف والشعر تهذي طماطمُهْ. الشعر هنا بمعنى النظم، الكلام الموزون، وإلاّ فإن روائع الشعر ليس فيها هذيان، ولا تجري عيونها الساحرة من أفواه الطمطمانيين غير الفصحاء البلغاء.
فاقد التوازن هو من لا يولي الوزن وزناً. ضرورة حيوية للدماغ أن يحسّ بجمال الإيقاعات في الكلمات والحركات. حذار تصديق أكذوبة «الإيقاع الداخلي»، لأن من لا يقدر على الإحساس بالإيقاع الظاهري، أنّى له ادّعاء الشعور بالإيقاع الباطني؟ الأكذوبة الأفدح هي ادّعاء أن الإيقاع فيه قديم وجديد. الرياضيات ليس فيها طارف وتليد. الخبب هو ركض الخيل، فعلن فعلن فعلن فعل، هو إيقاع اللحن المميّز للسيمفونية 40 لموتزارت، غنته فيروز: «يا أنا يا أنا، أنا ويّاك».
ما الذي حدث لمثقفينا حتى هووا في هذه الهاوية، كأنما ضربت على أعين أدمغتهم غشاوة. تدريس الأوزان ضرورة تأهيليّة. الإيقاعات أكبر من الخليل ومن الزوزني. الإحساس بجمال اللغة في مقدمته موسيقاها. الذين لا تروقهم مضامين الشعر العمودي هم أحرار في أذواقهم. أمّا رياضيات الإيقاعات فمسألة علوم عصبيّة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التمييزية: قضايا الحداثة في الفكر والفن، مباحثها لا علاقة لها بالإيقاعات منطقياً، وإلاّ فلم لا يبحثون إلغاء الإيقاع في الموسيقى؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"