عادي
الإسلام بديل هوفمان

العلم قرين الإيمان

21:45 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
عرف الكثير من الغربيين الإسلام عن طريق مصادر مشوهة ومريبة وزائفة، فرسخت في أذهانهم صور مشوشة عن الدين الإسلامي؛ وذلك شكل دافعاً وتحدياً لعدد من الأكاديميين والكتّاب في الغرب للتصدي لعملية إزالة الكثير من اللبس والمعلومات غير الصحيحة التي وردت عن المسلمين ودينهم وثقافتهم ومجتمعاتهم، وفيهم من أعجب بالقيم والأخلاق الإسلامية؛ فاعتنق الإسلام.

يعد الكاتب الألماني مراد ويلفريد هوفمان (1931 2020)، أحد أبرز الغربين الذين أنصفوا الإسلام عبر مؤلفاتهم العديدة. عمل هوفمان محامياً ودبلوماسياً، وقام ببحوث ودراسات عدة عن المسلمين، الأمر الذي قربه كثيراً من الدين الإسلامي، فعرف جوهره، فكان أن اعتنقه في عام 1980، وعمل على إظهار حقيقة دين المسلمين للغرب عبر مؤلفات عديدة؛ منها «رحلة إلى مكة المكرمة» و«الإسلام عام 2000»، و«الرحلة إلى الإسلام»، و«الإسلام كما يراه ألماني مسلم»، و«يوميات ألماني مسلم»، وتركزت معظم كتبه ومقالاته على وضع الإسلام في الغرب.

1

أسباب

كثيراً ما تحدث مراد هوفمان عن أسباب تحوله إلى الدين الإسلامي، فكان يشير إلى عدة عوامل جعلته يحمل اقتناعاً كبيراً برسالة وتعاليم ومثل الدين الحنيف، ومن ذلك ما شاهده من ثبات مجاهدي الجزائر في مواجهة وحشية فرنسا أثناء عمله في القنصلية الألمانية في الجزائر خلال حرب التحرير الجزائرية، ومنها تأثره بالفنون البصرية والمعمارية الإسلامية. وولد ذلك في ذهنه العديد من الأسئلة حول الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في الوعي الأوروبي، وحول القيم الأخلاقية والحضارية للغرب، وهو ما انتهى به إلى الاهتداء إلى الإسلام، وتحوله إلى أن يعمل على إظهار الصورة الحقيقية للإسلام لمواطنيه الألمان خاصة، ولأبناء الغرب عامة، وفي هذا السياق أصدر عدداً من الكتب، الموجهة للغربيين أساساً، لتوضيح مفاهيم الإسلام ومنظومته الحضارية.

يعد كتاب مراد «الإسلام كبديل»، من أهم المؤلفات التي تناولت الإسلام في الغرب؛ حيث أحدث ضجة كبيرة هناك، وصدر للمرة الأولى باللغة الألمانية عام 1992، وفي العام التالي ظهرت طبعته الإنجليزية، في ما جاءت الطبعة العربية للكتاب في 1996.

وفي الكتاب نلمح اتفاقاً من الكاتب مع تلك الرؤية التي حملها المفكر الفرنسي روجيه جارودي، وتؤكد صلاحية الإسلام في أن يصبح بديلاً للأفكار والأيديولوجيات السائدة في أوروبا والغرب عموماً، فهو الأقدر على الإسهام في الإجابة عن حيرة الحضارة الغربية وتساؤلاتها. وفي الواقع فإن المؤلف يطوف حول العديد من القضايا المتعلقة بالإنسان والعصر الراهن، ويقدم إجابات مهمة حول الدين الإسلامي بصورة خاصة لغير المسلمين، خاصة في ما يتعلق بقضايا أثارت جدلاً كثيفاً في الغرب، مثل حقوق المرأة في الإسلام والحجاب وتعدد الزوجات، وكذلك قضايا الجهاد وغيرها.

يقدم الكتاب رؤية متعمقة عن الإسلام، ويقارن المؤلف بينه وبين بقية الأديان، ويطرح جميع الحجج السلبية التي قدمها بعض المستشرقين، فيرد عليها ويكشف عن الأسباب التي أدت إلى ظهورها بمنهج يميل نحو التفكيك والتحليل، ليخرج بخلاصات تصب في مصلحة الدين الإسلامي، ويستشهد بأمور عدة، ويطرح الأفكار العقدية والفلسفية المختلفة في سبيل أن يبرز جوهر الدين الإسلامي، وقيمه النبيلة الفاضلة، ويتناول كذلك النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري في الإسلام.

منظومة روحية

يبرز المؤلف كثيراً الجوانب الروحية في الإسلام، مشيراً إلى أنه قدم نظاماً متكاملاً للحياة، ويناقش علاقة مفهوم الإيمان بمفهوم العلم في الدين الإسلامي، وكيف أن المفهومين متكاملان فيه بعكس تعارضهما في الحضارة الغربية، ثم ينتقل إلى مجالات أخرى مثل الإحسان والتربية من خلال التجارب الروحية، ويتطرق المؤلف إلى العديد من المفاهيم الدينية في الإسلام مثل الإيمان بالقضاء والقدر والتسليم بإرادة الله تعالى.

ويناقش المؤلف الأنظمة السياسية المتسلطة والفاشية التي ظهرت في أوروبا وقادتها إلى حروب مدمرة مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ووضح أن الإسلام يقدم مبادئ متفردة في هذا المجال ومتفوقة على ما جاء في كل الأديان الأخرى، خاصة أنه طرح مفاهيم إنسانية متقدمة قبل أن تلتفت إليها البشرية في عصور متقدمة، مثل المساواة والعدالة وحقوق الأقليات الدينية وشرط الحاكم العادل. ويتناول هوفمان الاقتصاد الإسلامي، ويرى أنه يتميز بالواقعية والأخلاقية في ذات الوقت، ويتطرق إلى جوانب التشريعية والقانونية في الإسلام، وكذلك يتعمق بصورة أكثر تفصيلية بحقوق الإنسان في الإسلام، ويناقش العلاقات الدولية والقانون الدولي من المنظور الإسلامي. يطرح المؤلف الكثير من القضايا التي تشير إلى إيمانه بأن الإسلام دين معاصر مثل مناقشة علاقة الإسلام بمفاهيم البيئة وحمايتها وتنميتها، وموقفه من الفنون المختلفة متناولاً تفرد المسلمين في مجال الإبداعات البصرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"