عادي

الوفاء وحفظ الجميل

21:47 مساء
قراءة 3 دقائق

يؤكد د. عبدالمقصود باشا، أستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة الأزهر بالقاهرة، أن مجالات نشر الوعي عديدة، ولعل من أهمها ما يتصل منها بالقيم والمبادئ وبناء الحضارة، داعياً إلى التركيز على القيم النبيلة مثل الوفاء وحفظ الجميل، لأن ذلك في النهاية يصب في مصلحة الوطن، ويجعل هناك منظومة قيم تحكم العلاقات بين أفراد المجتمع.

يقول باشا: الوفاء وحفظ الجميل من أكثر الصفات التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، وهناك العديد من النصوص في القرآن الكريم تحمل هذا المعنى، والحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم «وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» الآية (237) سورة البقرة، ومدح الله عز وجل الأنبياء عليهم السلام لاتّصافهم بهذا الخلق النبيل، حيث يقول الله عز وجل في شأن سيدنا إبراهيم عليه السلام«وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى» الآية (37) سورة النجم، ويقول سبحانه وتعالى في شأن سيدنا يحيى عليه السلام «وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا» الآية (14) سورة مريم.

ويضيف: أولى الناس بالوفاء وحفظ الجميل الآباء والأمهات، فهم أصحاب الفضل التام على أبنائهم، وأمرنا الله سبحانه وتعالي بالإحسان للوالدين والوفاء لهما، فيقول الحق سبحانه وتعالى «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا» الآيات (23- 24) سورة الإسراء. ويتصل الوفاء للوالدين وحفظ الجميل لهما بعد وفاتهما، فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم «إِنَّ أَبرَّ البرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ»، كذلك فإن الوفاء بين الزوجين من أرقى صور الوفاء.

ووفق باشا، فإن المتأمل في حياة النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، يجد أنه صاحب اليد العليا في الوفاء لزوجته السيدة خديجة، رضي الله عنها، وحفظ جميلها في مواساته، ونصرته، فقد ظل صلى الله عليه وسلم وفياً لذكراها حتى بعد موتها، فكان يكثر الثناء عليها وإكرام صديقتها، ولذلك ينبغي أن نرسخ هذه المفاهيم لدى الشباب والمقبلين على الزواج، لأن بناء الوعي يكون في مجتمع تسود فيه هذه القيم النبيلة.

ويوضح أن «قضية الوفاء وحفظ الجميل تمتد لتشمل الوفاء للوطن، وحفظ الجميل للمجتمع الذي تربى فيه الإنسان وتعلم واكتسب المهارات والقدرات، وكل ذلك بفضل خير هذا الوطن. وردّ الجميل له يكون بالدفاع عنه والعمل على تقدمه ورقيّه، والمساهمة الفعالة في رفعة شأنه والحفاظ على مقدراته، فكل ذلك يعد نوعاً من حفظ الجميل للوطن».

ويؤكد أن «حفظ الجميل للمجتمع من شيم أهل المروءة والنبل، ويتجلى ذلك الخلق النبيل حينما وقف الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، ليلة الهجرة ونظر إلى مكة بعد إيذاء أهلها له ولأصحابه وتكذيبهم له، فقال صلى الله عليه وسلم «واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ»، فما أحوجنا إلى أن نتحلى بالوفاء وحفظ الجميل فهو خلق عظيم، ويكون هذا الوفاء للوطن والمجتمع والأسرة، لأن الانتماء للأسرة البداية الحقيقية للانتماء للوطن، ولابد أن تتكامل الجهود ويكون هناك تنسيق في مجال نشر الوعي، فالأسرة بدورها تغرس قيمة الوفاء في نفوس الأبناء، والمدرسة تؤدي نفس الرسالة، ويجب أن تتضمن المناهج التعليمية كل ما يؤدي لترسيخ هذه القيم لدى الشباب، كما أن وسائل الإعلام والدراما الهادفة ينبغي أن توعي بهذه القيم النبيلة».

ويشير إلى أن الوفاء يتمثل أيضاً في الوفاء لأصحاب الفضل، ويتجلى ذلك في موقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال «لَو أنَّ النَّاسَ سَلَكوا شِعبًا وسَلَكتِ الأنصارُ شِعبًا، لسَلَكتُ شِعبَ الأنصارِ، ولَولا الهجرةُ لكُنتُ امْرَأً مِن الأنصارِ، اللَّهمَّ ارحَمْ الأنصارَ، وأبناءَ الأنصارِ، وأبناءَ أبناءِ الأنصارِ»، كما يقول صلى الله عليه وسلم عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُوبَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً»، بل إن خلق الوفاء يمتد ليشمل المخالفين، وذلك بحفظ الجميل لهم، ومجازاتهم عليه، وكذلك حفظ الجميل للمعلم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"