عادي

عذب الكلام

23:36 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

الْعَكْسُ: أن تقدّم في الكلامِ جُزءاً، ثمّ تعكس، بأن تقدم ما أخرتَ، وتؤخِّر ما قدمت؛ كقولِ الشاعر:

إنَّ اللياليَ للأنامِ مَناهلٌ

تُطْوى وتُبْسَطُ دُونَها الأعْمارُ

فَقِصارُهُنَّ مَعَ الْهُمومِ طَويلةٌ

وطِوالُهُنَّ مَعَ السُّرورِ قِصارُ

وقولِ الشاعر:

طَوَيْتُ بإحْرازِ الْفُنونِ ونَيْلِها

رِداءَ شَبابٍ والْجُنونُ فُنونُ

فَحينَ تَعاطَيْتُ الْفُنونَ وحَظَّها

تبَيْنَ لي أنَّ الْفُنونَ جُنونُ

درر النظم والنّثر

لَأوصِيَنَّ بِما

لأبي العلاء المعرّي (من البسيط)

لَأوصِيَنَّ بِما أَوْصَتْ بِهِ أُمَمٌ

في الدَّهْرِ وَالقَولُ مِثلَ الشُّرْبِ مَعْلولُ

لا تَأمَنَنَّ أَخا داءٍ وَلا ضَمَنٍ

قَدْ يُحدِثُ السَّيْفُ كَلْماً وَهْوَ مَفْلولُ

وَلا يَغُرَّنْكَ مِمَّنْ قَلبُهُ أَحِنٌ

صَمْتٌ فَإِنَّ حُسامَ الْغِمرِ مَسْلولُ

وَإِنْ دُلِلتَ عَلى شَرٍّ لِتَأتِيَهُ

فَأَنْتَ مِنهُ عَلى ما ساءَ مَدْلولُ

مَفْعولُ خَيْرِكَ في الأَفْعالِ مُفتَقَدٌ

كَما تَعَذَّرَ في الأَسْماءِ فَعْلولُ

وَلا يَصُدَّنّكَ عَنْ مَجْدٍ وَلا شَرِفٍ

تَبغيهِ أَنَّكَ طَلْقُ الوَجْهِ بُهْلولُ

وَلا تُجِلَنَّ ما الأَحلامُ تَحظُرُهُ

فَقَد عَلِمتَ بِأَنَّ الرِمسَ مَحلولُ

ذاكَ الأَسيرُ كَفانا غُلُّهُ عَنَتاً

فَلَيتَهُ آخِرَ الأَيّامِ مَغلولُ

من أسرار العربية

فروق لغوية: بَيْنَ الارْتيابِ والشَّكِ؛ الارْتيابُ: شَكٌّ مع تُهْمَة. بَيْنَ الْغَبْطِ والْحَسَدِ: الْغَبْطُ: أن تَتَمنّى أنْ يَكونَ مِثْلُ حالِ الْمَغْبوطِ لكَ، ولا تُريدُ زوالَهُ عَنْه. والْحَسَدُ أنْ تَتَمَنّى أن تكونَ حالُهُ لَكَ، وأنْ يزولَ ما عِنْدَهُ؛ ولِهذا ذُمَّ الْحَسَدُ ولَمْ يُّذَمَّ الْغَبْط. بَيْن الحُزْن والْكَرْب والكآبة؛ الْحُزْنُ: تَكاثُفُ الْغَمّ. والْكَرْبُ: تكاثُفُ الْغَمّ، مع ضيقِ الصَّدْر. والكآبة: أثَرُ الْحُزن الْبادي على الْوَجْه. ومِنْ ثمّ يُقالُ: عليه كآبةٌ ولا يُقال عَلاهُ حُزْنٌ أو كَرْبٌ. لأنَّ الْحُزْنَ لا يُرَى ولكنّ دَلالَتهُ على الْوجْه تُسمّى كآبةً:. وَالْكَرَائِبُ: الشَّدَائِدُ، الْوَاحِدَةُ كرِيبَةٌ؛ قَاْلَ سَعْدُ بْنُ نَاشِبٍ الْمَازِنِيُّ:

فِيَا لَرِزَامٍ رَشِّحُوا بِي مُقَدَّماً

إِلَى الْمَوْتِ، خَوَّاضاً إِلَيْهِ الْكَرَائِبَا

هفوة وتصويب

يقول بعضُهم «فلانٌ عاطلٌ عَنِ الْعَمَل»، وهي خطأ، والصّوابُ «عاطلٌ من العمل»، لأنّ الْعَطَلَ هو الْخُلُوُّ مِنَ الشَّيْءِ، وَإِنْ كان أَصْلُهُ فِي الْحَلْيِ؛ عَطِلَتِ الْمَرْأَةُ تَعْطَلُ عَطَلاً وَعُطُولاً وَتَعَطَّلَتْ، إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَلْيٌ وَلَمْ تَلْبَسِ الزِّينَةَ وَخَلَا جِيدُهَا مِنَ الْقَلَائِدِ. وَامْرَأَةٌ عَاطِلٌ – بِغَيْرِ هَاءٍ – مِنْ نِسْوَةٍ عَوَاطِلَ. ويُقَالُ: عَطِلَ الرَّجُلُ مِنَ الْمَالِ وَالْأَدَبِ، فَهُوَ عُطْلٌ وَعُطُلٌ مِثْلُ عُسْرٍ وَعُسُرٍ. قال الشريف الرضي:

ما بَيْنَنا يَوْمَ الفَخارِ تَفاوُتٌ

أَبَداً كِلانا في المَعالي مُعرِقُ

إِلّا الْخِلافَةَ مَيَّزَتكَ فَإِنَّني

أَنا عاطِلٌ مِنها وَأَنتَ مُطَوَّقُ

ويقولُ آخرون «قَد لا يفعل هذا الأمر»، والصّوابُ «قَدْ يَرْفُض» لأنّ «قَدْ» تَدْخُلُ على الفِعْل الْمُثْبَت. فإذا سَبَقتِ الفِعْلَ المُضارع، تكونُ للتّشكيك أو التّقليل، وإذا سَبَقَتِ الماضي، تكون للتّحقيق. قال امرؤ القيس، (وقد سبقت المضارع):

قَدْ أشهدُ الغارةَ الشَّعْواءَ تَحْمِلُني جَرْداءُ مَعْروقَةُ اللَّحْيَيْنِ سُرحُوبُ

وقال آخر: (سبقت الماضي):

فَقَدْ - واللهِ - بَيَّنَ لي عَنائي بوشْكِ فِراقِهِمْ، صُرَدٌ يَصيحُ

من حكم العرب

إِذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرومٍ

فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ

فَطَعْمُ الْمَوتِ في أَمْرٍ صَغيرٍ

كَطَعْمِ الْمَوْتِ في أَمْرٍ عَظيمِ

البيتان لأبي الطيّب، يحثُّ فيهما على الطّموح، والسَّعْي لاكْتساب المَعالي، مَهْما تكنِ التّحدّياتُ كبيرةً، والصُّعوبات متشعّبةً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"