«المليار» الإماراتية وصرخات الجوعى

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

عرف العالم دولة الإمارات رائدة في العمل الإنساني، وسباقة إلى الإغاثة في الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، ومُبادِرة إلى فعل الخير وساعية إلى نشر ثقافة التكافل والتضامن بين البشر، وصاحبة اليد الممدودة للمحتاجين حول العالم، واليوم تضيف إلى رصيدها الإنساني جديداً بمساعيها لإطعام ملايين الجوعى في 50 دولة، من خلال مبادرة «المليار وجبة» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، بهدف توفير الدعم الغذائي للفقراء والمحتاجين وخاصة الفئات الضعيفة حول العالم، ضمن مبادرات مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم العالمية. 
مثلما تتقدم الإمارات المؤشرات العالمية في تقارير التنافسية العالمية والمؤشرات التنموية، ومثلما هي الأولى في ثقة الشعب بحكومته، فإنها أيضاً تتقدم العالم في الفعل الإنساني، وهي الأولى في ثقة أهل الخير والعطاء المتبرعين من المؤسسات والأفراد بها في توصيل تبرعاتهم لمن يستحقونها، لذا فعندما أطلق الشيخ محمد بن راشد العام الماضي مبادرة «100 مليون وجبة» تم تجاوز الهدف وتوزيع 220 مليون وجبة، ولعل ذلك كان دافعاً لتوسيع العمل الإنساني وزيادة أعداد المستفيدين هذا العام من خلال مبادرة المليار وجبة، ومنذ إطلاق المبادرة تتدفق التبرعات من رواد العمل الإنساني والأفراد العاديين الراغبين في نيل ثواب المشاركة في إطعام الجوعى حول العالم. 
كل عمل يستهدف النجاح والتأثير في حياة الناس يحتاج إلى قائد يفكر ويخطط ويتخذ القرار المناسب، هكذا يحتاج العمل الإنساني أيضاً إلى قائد، يحس بآلام الناس، ويتخذ من القرارات ما يساعد على تخفيفها، ويعرف كيفية توجيه مساعداته ويدرك من يستحق ومن لا يستحق، ويستحوذ على ثقة أهل الخير والمتبرعين، ويؤمن بقيم الإسلام الداعية إلى التراحم والتضامن والعطاء ونشر الخير، وبالموروث المحمدي الذي يؤكد «الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين»، وأيضاً «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع»، وكلها صفات أصيلة في الإمارات التي تسيّر العمل الإنساني لصالح مستحقيه حول العالم مع العمل التنموي لصالح أبناء الإمارات والمقيمين فيها. 
نعيش في عالم مملوء بالتناقضات منذ الأزل وإلى الأبد، كان وسيظل فيه دول تبني ودول تهدم؛ دول تقتل ودول تُطبب، دول تشرد ودول تكسو، دول تُجوّع ودول تُطعم، والإمارات اختارت لنفسها أن تكون دولة تبني وتطعم وتكسو وتنشر السلام وتدعو للأخوة بين البشر بصرف النظر عن ألوانهم وأعراقهم وعقائدهم، تفعل ذلك مع الجميع من دون حسابات سياسية، وملفها في العمل الإنساني يشهد لها أمام العالم بالريادة، أغاثت لاجئين وساعدت مشردين وانتشلت ضحايا زلازل وبراكين وعالجت مصابين بأوبئة، وكانت طائراتها المحمّلة بالمساعدات الطبية في ظل أزمة كورونا تتجه إلى جهات الأرض الأربع. 
في زمن الجوع الذي يعيشه العالم، ويتضاعف فيه اللاجئون والنازحون والمشردون والمهمشون والمعدمون يوماً بعد يوم، تأتي «المليار وجبة» لتكون المبادرة الإماراتية في الوقت الأنسب، حيث يتسبب الجوع وسوء التغذية، والأمراض المرتبطة بهما، في فقدان طفل لحياته كل 10 ثوانٍ، وموت 25 ألف شخص يومياً، منهم 10 آلاف طفل، فيما يبيت 800 مليون إنسان حول العالم جائعين كل يوم، ويعاني 52 مليون إنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نوعاً من أنواع الجوع أو سوء التغذية أغلبهم من النساء والأطفال. وعلى الرغم من أن الأرقام سالفة الذكر ينبغي أن توقظ ضمير كل صاحب قرار ليسهم في انتشال العالم من هذا المستنقع، فإن البعض لا ينشغل سوى بالسعي إلى مزيد من التخريب والتجويع والقتل والتشريد.
من المؤكد أن صرخات العالم وتحذيرات المتخصصين من ازدياد أعداد الجوعى في العالم بعد الزيادة المفزعة في أسعار المواد الغذائية نتيجة الحرب المشتعلة في أوكرانيا، سمعها المتنازعون في هذه الدولة، ولكنهم يمعنون دماراً وتشريداً. 
الإمارات تريده عالماً ليس فيه جائع ولا عارٍ ولا خائف ولا منبوذ ولا مضطهد ولا جاهل ولا متطرف، بينما هناك من يريده عالماً من الجوعى والمشردين واللاجئين والمنهزمين والأميين والعنصريين والمتطرفين، ولو تنافس العالم على فعل الخير وإطلاق المبادرات الإنسانية لأصبحت الأرض كوكباً للسلام والاستقرار والأمان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"