أخالفك لكن أحترمك

00:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا يزال مصطلح «حرية التعبير» يثير جدلاً واسعاً بين المثقفين والسياسيين، نظراً للنسبية في الطرح واعتناق الأفكار، إضافة إلى عدم الاتفاق على الأيديولوجيات العديدة المطروحة في المجتمعات البشرية، وكذلك تحكيم المعايير الأخلاقية في الحكم على الرأي وطريقة التعبير عنه. فبعض الكيانات السياسية تقمع أي مسّ بتاريخها ومعتقدها، وتتهم كل من يخالفها بنشر الكراهية، وبعض الجماعات البشرية توجّه تهمة التمييز لمن يخالفها التوجّهات النوعية، وبعض الأحزاب يتصدى لمن يعارضه بكل الوسائل المتاحة ومن بينها السلاح، وبعض المذاهب تكفّر الآخر في بعض طقوسهم ومعتقداتهم. 
 هذا التطرّف يطال الأفراد في جميع المجتمعات، المتقدمة والنامية، ويصل الحد إلى قتل الطرف المناهض لفكره وسياساته، ما يعني أن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة لا يزال يثير جدلاً في كل المجتمعات، إذ كل دولة لديها محظورات لا يمكن الاقتراب منها، وتجرّم كل من يقدم على المساس بها، ناهيك عن صدور أدبيات بهذا الشأن تحدد حقوق الإنسان في الإسلام ومنها حرية التعبير، وكذلك حقوق الإنسان في المسيحية واليهودية والأديان كافة.
 وهنا تثور جدلية الاصطدام بالمقدس، التي تناقض حرية المعتقد في المفهوم العام. وهذه المحظورات تشبه إلى حد بعيد النظم الشمولية التي كانت سائدة في المعسكر الشرقي، ولا تزال في بعض الدول، كالنظم الاشتراكية والشيوعية وحتى الليبرالية، إذ عانى كثيرون في الفترة الستالينية الحديدية، وما أطلق عليه دكتاتورية الدولة. كما عانى الكثير من الأمريكيين من المكارثية.
 ويناقش فلاسفة كثيرون مبدأ حرية الرأي وينظرون إليه على أنه لا توجد حرية مطلقة للإنسان في المقام الأول، وبالتالي لا توجد حرية مطلقة لحرية الرأي في المقام الثاني، إذ لا يستطيع أي إنسان أن يبدي رأيه في كل الأمور الدينية والدنيوية، باستخدام اللغة التي يريد والعبارات التي يريد وبالأسلوب الذي يريد حتى لو خرج عن الأدب واللياقة والأخلاق، لأنه يخدش في ذلك قدسية جماعات أو شعوب أخرى، أو أنه يثير الكراهية ويحرّض على العنف وإثارة الفتن. وهناك فلاسفة آخرون، وهم قلّة، يؤمنون بالحرية المطلقة للفرد في التعبير عن رأيه تجاه أي شيء، وانتهاج أسلوب الحياة التي يرغب، وعلى الآخرين احترام ذلك، وقد استجابت بعض الدول لهذا التوجّه، خاصة في مسألة «أسلوب الحياة»، فخصّصت للجماعات أماكن خاصة بهم. 
 وحسب رأينا الذي نبديه بعجالة، فإن التخصيص في حد ذاته لا يدل على اعتراف إنما على عزل هؤلاء وإبعادهم كي لا يحتكوا بالآخرين، وهم الجمهور الأوسع.
 نحن العرب لدينا منظومتنا الأخلاقية، وهي موجودة لدى أتباع الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية، فالتنشئة في بيئة معينة تجعل الجميع منسجمين ومتجانسين، وبالتالي ننبذ الفحش في الكلام، والشذوذ في السلوك، والإجهار بالمعصية، ولا نقبل الاستخفاف بأي معتقد أومذهب أو حتى بأي عرف، لهذا، فإن التعبير عن الرأي، مهما كان مخالفاً ومعاكساً ومناهضاً للفرد أو الجماعة، يجب أن يكون بلغة راقية نبيلة مسالمة، لا تخدش مقدسات أحد ولا تعتدي على إيمان أحد أو رأي أحد. وسأستبعد هنا بعض الأفراد في بعض المجتمعات الذين يستغلون حرية الرأي في بلادهم، وغياب تطبيق القانون وانتشار الفلتان الأمني، فيستخدمون شعارات بذيئة وكلمات أكثر بذاءة، هؤلاء لا يعبّرون عن المنظومة الإنسانية والأخلاقية للإنسان العربي، ولا يعكسون حضارة بلادهم أيضاً.
الإنسان هو الأسلوب، يستطيع أن يقوّم وينتقد ويشير إلى الخطأ بلغة راقية موضوعية حكيمة، أو بلغة بذيئة، والمجتمعات التي تشهد استقراراً، في الوطن العربي أو خارجه، تشهد انتشار اللغة المؤدبة السامية، وتعبّر عن عدم موافقتها على فكرة أو توجّه أو سلوك بأسلوب رصين هادئ. وقد قيل: تحدّث بصوت منخفض حتى أسمعك. وأخالفك لكن أحترمك.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"