الستون

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

ما إن تبلغ الستين، وما أدراك ما الستون، حتى تتكالب عليك الأمور، وتتغير من حولك الأجواء، يُنظر إليك إن كنت على رأس عملك، وكأنك  كما يقول الإخوة المصريون  «دقه قديمة»، يجب أن ترحل بشكل أو بآخر، مهما كنت مميزاً أو مجدداً أو متفانياً أو خبيراً أو فريداً متخصصاً في مجالك وأكسبتك السنين خبرات متراكمة لتعرف تفاصيل التفاصيل فيه، وتعي بواطن الأمور، فأنت مطالب بالرحيل شئت أم أبيت، هذا بالطبع إن لم تكن من فئة معيّنة لا يطالها تغيير، وتبقى متوهّجة شابة وإن طال بها العمر؛ لأنها لا يحسب لسني عمرها عمر، تقود التغيير وتطالب بالتجديد دون وعي أو تحديد.
التجديد سنة الحياة بلا شك، وهو مطلب أساسي لا بد منه، لكن بوعي ودراسة وتدرّج يمزج بين الخبرة والطموح الشاب. فالذي كبر اليوم، كان شاباً ذا طموح قاده عمله وعطاؤه لاكتساب خبرات متراكمة جعلته متمكناً متميزاً في عمله وعطائه، والمطلوب منه نقل خبرته ومكتسبات تجربته للجيل القادم، لكن أن يتم الإحلال دون تروٍّ وبسرعة لا تتناسب واحتياجات المكان، وبخطط غير مدروسة لا تمزج بين الخبرة والمؤهلات والطاقة الشابة، وطموحها لتقديم الأفضل فذلك لا يخدم الوطن، فالمهم في النهاية هو خدمة الوطن ومواطنيه.
اليوم هناك الكثير ممن بلغوا سن الستين تتم معاملتهم وكأن الزمن توقّف بهم، وكأنهم عالة، مهما ملكوا من خبرات متراكمة ومعرفة عركتها سنوات العطاء تميزاً وحنكة، إلا أنهم يخرجون من دائرة الاهتمام، سواء في التوظيف أو العمل أو الاستفادة من الخبرة، على الرغم من أن هناك جهات تلجأ إلى الاستعانة بخبراء من الخارج لا يقل عمر الواحد منهم عن ستين عاماً، وبين ظهرانينا في هذا الوطن المعطاء، كثير من الخبرات الوطنية في شتى المجالات، يستحقون الاستعانة بهم كخبراء ومستشارين، ليس فقط لخبرتهم؛ بل لتماسهم المباشر مع الوطن وحاجاته وطبيعة تكوينه.
في كثير من دول العالم المتطورة لا تتوقف دورة الحياة بتاتاً. فالعطاء مستمر، لا يميّز بين عمر وعمر، ولا يهتم إلا بمعيار التميز والعطاء، بالطبع هناك معايير، لكنها لا تحد ولا تفرّق بين عُمر وعُمر، وكما كان مطلوباً من الشاب العمل والجهد، وكبر مطوّراً قدراته فأصبح مع مرور السنوات متميزاً خبيراً، فالمطلوب من الجيل القادم فعل الشيء ذاته.
لا أقصد ألا يكون هناك تجديد وإحلال وتقاعد، لكن ما أقصده هو أن يكون هناك وعي بفنّية المزاوجة بين الخبرة والشباب، والاستفادة القصوى من خبرات مواطنينا، خصوصاً أن نسبة المواطنين إلى عدد السكان قليلة بشكل كبير يجعلنا بحاجة لخدمات كل فرد من أفراد هذا الوطن المعطاء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"