عادي

انضمام السويد وفنلندا إلى «الناتو».. تداعيات خطيرة

22:20 مساء
قراءة 4 دقائق

بهاء محمود *

ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في تغيير الفكر الأمني لدى العديد من الدول الأوروبية، بداية من ألمانيا الحليف الأكبر لروسيا، نهاية بدول الجوار وعلى رأسها فنلندا. حيث تدرس كل من السويد وفنلندا التقدم بطلبات الانضمام إلى عضوية حلف الناتو، على أن تحسم الأولى أمرها قبيل الانتخابات العامة التي سوف تعقد في سبتمبر/ أيلول القادم، بينما تخطط فنلندا للنظر في المسألة عند منتصف الصيف، أي عند انعقاد قمة الناتو القادمة في مدريد يومي 29 و30 يونيو/ حزيران 2022.

تتبنى السويد وفنلندا نهجاً تاريخياً محايداً تجاه الأزمات الدولية ولاسيما العسكري منها، ما بين حياد يصل عمره قرابة 200 عام لدى السويد، وآخر اقترن بالحرب الباردة كما هي الحال لدى فنلندا. النقاش الذي أعلنت الدولتان أنهما بصدد طرحه جاء عقب لقاء جمع بين رئيستي وزراء الدولتين، السويدية «ماجدالينا أندرسون»، والفنلندية «سانا ماريان»، وذلك في ضوء ارتفاع مؤشرات استطلاعات الرأي التي تؤيد ضم البلدين إلى الحلف. من جانبها تعارض روسيا توسيع حلف الناتو، وبدت محذرة الدولتين من خطورة انضمامها إلى الحلف، خاصة أن روسيا ترتبط جغرافياً بحدود طويلة مع فنلندا تصل إلى 1300 كم، وهي الحدود التي تعادل تقريباً بقية الدول الأوروبية المتماسّة مع روسيا. على النقيض لا ترتبط السويد بحدود جغرافية مع روسيا، بل ولا يوجد أيضاً حدود برية بين فنلندا والسويد، يشتركان فقط في خليج بوتيه وبحر البلطيق.

تعاونت كلتا الدولتين مع حلف الناتو في مهام عسكرية، من بينها التحالف الدولي في أفغانستان والعراق وغيرها من العمليات العسكرية التي عبرت عن قوة العلاقات الأمنية بين الدولتين الأوروبيتين – أعضاء الاتحاد الأوروبي– وبين الناتو. وبطبيعة الحال كون السويد وفنلندا تمتلكان أنظمة اقتصادية قوية واستقراراً سياسياً يمنحهما القدرة على تطوير جيشهما وزيادة الإنفاق العسكري للنسب المتفق عليها في الناتو بقيمة 2% من إجمالي الناتج المحلى، فتعتبر إجراءات انضمامهما إلى الناتو شكلياً ليست معضلة، وهي تتطلب فقط بعد تقديم الدولتين طلباً رسمياً، مشاورات فنية يعقبها موافقات البرلمانات الوطنية لدول حلف الناتو جميعاً.

دوافع التفكير

لعل الدافع الرئيسي لقلق فنلندا الدولة الجارة لروسيا، ليس فقط استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، بقدر ما هو التخوف من أن تكون أوكرانيا هي فقط البداية الأوروبية لعودة الاتحاد السوفييتي بصورة جديدة، وأن أهداف روسيا من العمليات العسكرية في أوكرانيا تتخطاها، وسوف تتعدى إلى دول أوروبية أخرى، وخاصة دول فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي، وكذلك دول الجوار وعلى رأسها فنلندا.

هذا الطرح يتبناه بعض الساسة الغربيين داخل الدول الأوروبية وقد أحدث انقساماً بين الأحزاب الحاكمة والمعارضة لها، مع اعتبار أنه طرح أمريكي في المقام الأول.

في المقابل توضع السويد أيضاً في معية فنلندا كدولة مهددة بغزو روسي، ربما بسبب موقعها الجغرافي القريب من بحر البلطيق (!). وبغض النظر عن منطقية تخوف البلدين، لكن الطرح الغربي يتجاهل عدة حقائق أولها أن طبيعة التفكير الروسي منذ عهد بوتين اقتصر بصورة كبيرة على حفظ حدوده وأمنه القومي من منظور حماية الروس في الخارج في دول مثل جورجيا، أوكرانيا، مولدوفا، والتي تعاني وجود حركات انفصالية فيها نشطت أكثر عقب إعلان الناتو والولايات المتحدة في 2008 عن احتمال ضم أوكرانيا وجورجيا للحلف، ومن ثم عدم الالتزام بالوعود التي قطعها الغرب مع روسيا عام 1997 والتي تقضي بعدم التوسع شرقاً. ثانية تلك الحقائق أنه قبل الحرب الدائرة بين وروسيا وأوكرانيا ثمة مناورات عسكرية وتدريبات تمت بالقرب من الحدود الروسية، سبقتها خروج أمريكي من أفغانستان بطريقة فسرت أنها تمثل تهديداً أمنياً لروسيا، فيما بدت أوكرانيا هي الأخرى تدخل سباق التهديدات الأمنية لموسكو عبر سعيها للانضمام إلى الناتو ولعضوية الاتحاد الأوروبي، ما يعنى – بحسب المنظور الروسي - أن الغرب يحاصر روسيا من جميع الجوانب، وليس من مفر من عمليات عسكرية في دونباس والمناطق الانفصالية التي اعترفت بها روسيا، ومع عدم الاستجابة لمطالب روسيا الأمنية، دخل الجيش الروسي أوكرانيا. إضافة لما سبق فإن فنلندا والسويد باعتبارهما دولتين أوروبيتين فإنهما يقعان ضمن الحماية الأوروبية واتفاقيات الدفاع المشترك، وهو ما يعنى أن وضعهما مختلف تماماً عن وضع أوكرانيا جغرافيّاً وسياسيّاً وكذلك عسكريّاً.

وقد اتضح جلياً في الخطابات التي أرسلت من قبل السويد وفنلندا، إلى رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، لتذكيره بأهمية التضامن الأوروبي والالتزام بالدفاع المشترك في البيئة الأمنية الجديدة لأوروبا، وهو تقريباً ما أكده أيضاً المستشار الألماني أولف شولتز عند لقائه برئيسة وزراء السويد، بأنها يمكن أن تعتمد على الاتحاد الأوروبي، في حال إذا أقدمت روسيا على تهديدها.

تداعيات محتملة

تدرك روسيا من جانبها خطر أن تصبح فنلندا والسويد عضوين في حلف الناتو، فمبدئياً يعنى ذلك وجود قوات التحالف الغربي على مسافة 2600 كم تقريباً على الحدود الروسية، بما في ذلك احتمالية إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في تلك الدول على غرار الموجودة في دول كبري مثل ألمانيا، أو التعزيزات التي أرسلت إلى بولندا التي ترتبط بحدود جغرافية مع روسيا. لذا تبدو أولى التداعيات المحتملة كي تواجه روسيا فرضية انضمام السويد وفنلندا، هي نشر خط ردع نووي على الحدود الروسية البرية بحسب ما أشار إليه مسؤولون روس، ليس هذا فقط؛ بل دول مثل مولدوفا وجورجيا قد تشهدان اضطرابات أمنية ونشاطاً لحركاتهما الانفصالية الموالية لروسيا كنوع من الضغوط الأمنية على تلك الدول وجيرانها، ومن ثم على أمن الاتحاد الأوروبي.

وعلى المستوى الثنائي ما يربط السويد وفنلندا هو بحر البلطيق، وبالتالي سوف تستعد روسيا لتعزيز دفاعاتها في البلطيق ومناطق أقصي الشمال، بما يعني حصار السويد وفنلندا نووياً، وطبقاً لجغرافيا القوة، فإن روسيا أكثر قدرة على توجيه ضربات استباقية قبل قدرة دول الناتو - ومنهم الولايات المتحدة - على الرد. لذا يمكن القول إن انضمام دول مثل السويد وفنلندا إلى الناتو، بما تمتلكان من مقدرات عسكرية واقتصادية قد تضيف إلى بنية منظومة الدفاع الأوروبي التي من المفترض أنها سوف تتطور على المدى البعيد بتحديث الجيش الألماني، لكنها مع ذلك سوف تجعل المنطقة بأسرها مهددة نووياً وهو أكبر تهديد أمني يمكن أن يواجهه الاتحاد الأوروبي.

* باحث وكاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"