عادي

تايوان على خط المواجهة

22:22 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - بنيمين زرزور:
التقارير اليومية حول مجريات الأعمال القتالية بميدان المعارك في أوكرانيا لا تصرف انتباه العالم عما يصدر من فقاعات في البؤر الساخنة الأخرى، والتي لا يجد المراقبون مفراً من ربطها بما يجري في المواجهة بين روسيا والغرب، نظراً لخطوط الفصل المفروضة على العلاقات الدولية نتيجة سياسات المحاور التي تعمل واشنطن على ترسيخها في إطار جهود عودتها المزعومة لقيادة العالم.

بعد أن انفجرت الأزمة بين الغرب وروسيا، اتجهت أنظار العالم تلقائياً نحو الصين وموقفها من النزاع، ليس فقط لدعم حليفتها روسيا من منطلق عدو عدوي صديقي، بل لأن بكين واقعة في صلب استهدافات واشنطن من سياسة المحاور الجديدة، وهو ما يؤكده تحركها لإحكام السيطرة على منطقتي المحيطين الهادئ والهندي الذي أكدته اتفاقيات «أوكوس» وغيرها.

وتشكل جزيرة تايوان البؤرة الأكثر سخونة في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة التي تريد أن تجعل من الجزيرة «مسمار جحا» بحجة حماية الديمقراطية، بينما تصر الصين على أنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية.

زيارة ومناورات

وبينما لا يزال بعض حلفاء واشنطن في المنطقة يحرصون على توازن ولو هشاً، في العلاقة مع بكين، من خلال عدم الاعتراف بتايوان كدولة مستقلة، خاصة اليابان، تعمل واشنطن على استفزاز بكين بين الحين والآخر. ففي ظل الضغوط الحالية التي تمارسها الولايات المتحدة على بكين فيما يتعلق بموقف الأخيرة من الحرب في أوكرانيا ودعمها لروسيا، قام وفد يضم 6 من أعضاء الكونغرس الأمريكي من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي يقوده بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بزيارة لم تكن على برنامج الوفد الذي قدم من أستراليا إلى تايوان لتأكيد دعم واشنطن للجزيرة في مواجهة أي تحرك صيني محتمل.

وتهدف زيارة الوفد الأمريكي إلى التشاور بشأن التطورات الأمنية التي شهدتها المنطقة على خلفية التحركات العسكرية التي تجريها الصين في المحيط الهادئ. وقال مينينديز خلال اجتماع عقده الوفد الأمريكي مع الرئيسة التايوانية تساي إينج، إن تايوان «بلد له أهمية عالمية وأمنه له تداعيات على العالم بأسره».

وجاء الرد الصيني سريعاً في تنفيذ مناورات عسكرية حول تايوان، وقال جيش التحرير الشعبي إنها تستهدف «الإشارات الخاطئة» التي ترسلها الولايات المتحدة. وذكر تلفزيون الصين المركزي الرسمي، نقلاً عن شي يي لو، المتحدث باسم قيادة مسرح العمليات الشرقي لجيش التحرير الشعبي، أن الجيش الصيني أرسل فرقاطات وقاذفات قنابل وطائرات مقاتلة إلى بحر الصين الشرقي والمنطقة المحيطة بتايوان الجمعة.

وأكد السناتور الأمريكي ليندسي غراهام عضو الوفد، أن الزيارة تأتي في ظل دعم الصين لروسيا والهجمات الإلكترونية على تايوان. وقال غراهام إن الصين ستضطر إلى دفع ثمن أعلى مقابل كل ما تفعله في جميع أنحاء العالم.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية وو تشيان، إن زيارة المشرعين الأمريكيين لتايوان تقوض بشكل خطير أسس العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. وتقول بكين إن مثل هذه الأعمال تنتهك سيادة الصين ووحدة أراضيها وتصب الزيت على نار عدم الاستقرار في المنطقة.

وأكدت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، أن الصين لن تتنازل لأمريكا سواء بشأن قضية تايوان أو علاقات بكين مع موسكو. وجاء في افتتاحية الصحيفة: «ستظهر القوة الصينية الحقيقة سيادتها على جزيرة تايوان من خلال الوسائل العسكرية، وسوف نضع حداً لتآكل السيادة الناجم عن التواطؤ بين الولايات المتحدة وتايوان».

وكانت البحرية الأمريكية قد أعلنت في بيان أصدرته في 10 إبريل/نيسان 2022، أنها ستُرسل غواصة إضافية خامسة إلى جزيرة غوام، وذلك من أجل تعزيز دفاعات الجزيرة أمام الصين. وتقع الجزيرة غرب المحيط الهادئ، وتعتبر أرضاً أمريكية ضمن مجموعة جزر ماريانا.

وتعد جزيرة غوام من أعمدة الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إذ تعتبر مركزاً مهماً للجيوش الأمريكية، ما يُتيح للأمريكيين الوصول بسرعة إلى مناطق التأزم في شبه الجزيرة الكورية ومضيق تايوان.

وفي خضم التنافس مع الصين واحتمالات هجوم بكين على تايوان، تحاول واشنطن الحفاظ على تفوقها العسكري في منطقة المحيط الهادئ، وتعزيز قدرتها على تحقيق توازن القوى المطلوب في المنطقة.

وتعتبر الصين أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، بعدما انفصلت عنها خلال حرب أهلية في عام 1949، ولا تزال تهدد باستعادتها، ولو بالقوة. وتنفذ بكين مناورات عسكرية مكثفة، وتوغلات شبه يومية لمقاتلات صينية في المجال الجوي قرب تايوان.

استفزازات

وتشهد المنطقة توترات متصاعدة منذ بدء الحرب في أوكرانيا تشمل حلفاء واشنطن التقليديين، حيث تُسير السفن الصينية دوريات في البحر حول جزر سينكاكو التي تسيطر عليها اليابان، وهي سلسلة جزر تطالب بها كل من الصين وتايوان. كما تشهد الجزر، التي تُعرف في الصين باسم جزر دياويو بالقرب من تايوان، أنشطة عسكرية متصاعدة. وقالت وزارة الخارجية الصينية إن دوريات خفر السواحل الصينية «ممارسة طبيعية للسيادة». لكن اليابان تدعي أيضاً أن لها حقاً سيادياً في الجزر، وهي تعزز قواتها العسكرية في يوناغوني والجزر المحيطة بها في سلسلة نانسي، شرق سينكاكو.

كما عززت الصين وجودها في الأجواء حول تايوان، وخرقت الطائرات الحربية بشكل متكرر المجال الجوي للجزيرة، ما دفع تايبيه إلى نشر طائرات دوريات قتالية، وإصدار تحذيرات لاسلكية، وتفعيل أنظمة صواريخ الدفاع الجوي. كما سيرت اليابان طائرات مقاتلة في دوريات منتظمة رداً على اقتراب الطائرات الصينية من مجالها الجوي.

وأطلقت غوّاصات روسية صواريخ عابرة في إطار مناورات عسكرية في بحر اليابان، حسبما أعلنت وزارة الدفاع، في ظلّ توتّر العلاقات بين موسكو وطوكيو بسبب الحرب على أوكرانيا.

وقد وضعت حرب أوكرانيا المنطقة في حالة تأهب، خاصة وأن الصين ترفض الرضوخ للضغوط الدولية لإدانة تصرفات موسكو. ورفضت الصين المقارنات بين أوكرانيا وتايوان، قائلة إن تايوان «شأن داخلي صيني».

ووسط هذه الأجواء المشحونة تبقى احتمالات انفجار الأزمة مرتفعة، ما لم تتخذ العلاقات بين القوى العظمى مساراً معاكساً، وهذا أمر بعيد المنال في المدى المنظور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"