«أنزل فيه القرآن»

22:37 مساء
قراءة 3 دقائق
3

د. سالم بن ارحمه الشويهي

أنزل الله عز وجل القرآن في شهر رمضان من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، قال الله تعالى في ثنايا آيات الصيام: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ». وكان هذا الإنزال جملة واحدة في ليلة القدر من رمضان، كما قال تعالى: «إنا أنزلناه في ليلة مباركة».

ثم أَنزل الله عز وجل القرآن الكريم مُفرّقاً في ثلاث وعشرين سنة، وكانت بداية هذا النزول أيضاً في شهر رمضان في ليلة القدر كما قال تعالى: «إنا أنزلناه في ليلة القدر»، فنزل جبريل، عليه السلام، على رسول الله بالآيات الأولى من سورة العلق.

والحكمة من نُزول القرآن مُنجماً، أي: مفرقاً، في ثلاث وعشرين سنة هي عمر الرسالة المباركة، تتلخص في الآتي:

أولاً: تَثبيتُ فُؤادِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: «وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك»، فالوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان النبي سول أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي ِ رَمَضَانَ؛ لكثرة لقياه جبريل علية السلام وذلك فِي كُلِّ لَيْلَةٍ من شَهْرِ رَمَضَانَ. ولهذا ذكر الله في القرآن قصص الأنبياء السابقين وما لاقوه من الأذى مواساة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال جل جلاله لنبيه ومصطفاه:«أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ»، و«فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ».

ثانياً: تيسيرُ حفظه وفهمه وتدبر معانيه، فما كان للأمة الأمية أن تحفظ القرآن كله بيسر لو نزل جملة واحدة، وأن تفهم معانيه وتتدبر آياته، فكان نُزولُه مفرقاً خير عون للأمة على حفظ القرآن في صدورها وفهم وتدبر آياته، والالتزام بتعاليمه كما قال تعالى: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ». ولذا كان الصحابة، رضي الله عنهم، لا يتجاوزون العشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل.

ثالثاً: مسايرة الحوادث والتدرج في تشريع الأحكام، فإِنْزال الْقرْآن مُفرّقاً أدعى إِلى قبوله بخلاف ما لو نزل جمْلة واحدة. وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ ما قالته عَائِشَةَ رضي الله عنها:«إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلُ شَيْءٍ: «لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ» لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ: «لَا تَزْنُوا» لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزّنَا أَبداً».

رابعاً: التحدي والإعجاز والدلالة القاطعة على أن القرآن تنزيل من حكيم حميد، وذلك أن القرآن نزل منجماً في أكثر من عشرين عاماً، تنزل الآية والآيات على فترات من الزمن فيقرؤه الناس فيجدونه محكم النسج، دقيق السبك، مترابط المعاني، بديع الأسلوب، متناسق الآيات والسور. ولو كان هذا القرآن من كلام البشر وقيل في مناسبات متعددة، ووقائع متتالية، وأحداث متعاقبة، لوقع فيه التفكك والانفصام، واستعصى أن يكون بينه التوافق والانسجام «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا».

وأحسن شَوْقِي حين قال: جَاءَ النَّبِيُّونَ بِالآيَاتِ فَانْصَرَمَتْ وَجِئْتَنَا بِكِتَابٍ غَيْرِ مُنْصَرِمِ

آياتُهُ كُلَّمَا طَالَ الْمَدَى جُدُدٌ يَزِينُهُنَّ جَلالُ الْعِتقِ وَالْقِدَمِ

يَكَادُ فِي لَفْظَةٍ مِنْهُ مُشَرَّفَةٍ يُوصِيكَ بِالْحَقِّ وَالتَّقْوَى وَبِالْرَحِمِ

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"