عادي
عفيفي يتتبع أثر العاطفة الدينية

التصوف.. ثورة روحية

22:55 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن
«التصوف هو المرآة التي تنعكس على صفحتها الحياة الروحية الإسلامية في أخصّ مظاهرها، فإذا أردنا أن نبحث عن العاطفة الدينية الإسلامية في صفائها ونقائها وحرارتها وجدناها عند الصوفية». ذلك ما يدور حوله كتاب «التصوف.. الثورة الروحية في الإسلام» للمفكر أبو العلا عفيفي، الذي يناقش عناوين كثيرة لها علاقة بالتصوف الإسلامي، مبتدئاً بتعريف ماهيته ومنهجه، كما يدرس الفلسفة في علاقتها بالتجربة الصوفية.

في معرض تحليله ل «التجربة» بوجه عام، يرى عفيفي أنها المحور الأساسي الذي دارت حوله أبحاث كثيرة، وهي التجربة التي أطلق عليها الصوفية أنفسهم اسم «الحال». هذه الحال، كما يصفها عفيفي، ليست من أحوال العقل الواعي، وإلا كانت خاضعة للعقل وقوانينه، بل هي حالة من حالات الوجود الباطن المتحفز للإعلان عن نفسه في كل ضروب النشاط الروحي.

60 تعريفاً

جمع المؤلف أكثر من 60 تعريفاً للتصوف والصوفي وضعها 24 صوفياً بين عامي 200 و 400 للهجرة، عاشوا في مصر والشام وفارس، ودرس هذه التعريفات، وخلص إلى أن دراسة كل تعريف لا تتم إلا من خلال بحوث شاملة للتصوف ونظرياته وظواهره، بما في ذلك حياة الصوفية وأخلاقهم، كما خلص إلى أن معظم هذه التعريفات لا يعبّر إلا عن أحوال شخصية فردية، ولا يفي واحد منها في التعبير عن حقيقة التصوف، أو شرح ماهيته. يقول: «هذه التعريفات تمثل التصوف في مجملها مجتمعة وليست متفرقة، ذلك إذا أردنا أن نبحث عن التصوف الإسلامي بالمطلق، لا تصوف فلان أو فلان».

ويرصد عفيفي أسماء العديد من المتصوفة، مثل أبو سليمان الداراني الذي قال «إن التصوف هو أن تجري على الصوفي أعمال لا يعلمها إلا الحق، وأن يكون دائماً مع الحق». وهناك بشر بن الحارث الذي قال: «إن الصوفي من صفا لله قلبه، وصفاء القلب معناه عدم تكديره بالشهوات والرغبات وكل ما يشغل عن الله».

تجارب روحية

في باب «نشأة التصوف الإسلامي والعوامل التي أثر فيه» نجد أنفسنا أمام بحث طويل حرص المؤلف على إرجاعه لعوامل داخلية وخارجية، وهو ينقد المستشرقين في نظرياتهم حول التصوف، ويرى أن التصوف، من حيث كان إسلامياً أو غير إسلامي، هو استبطان منظم للتجربة الدينية، ولنتائج هذه التجربة في نفس الرجل الذي يمارسها. وبهذا المعنى، فإن التصوف هو ظاهرة إنسانية ذات طابع روحي لا تحده حدود، مكانية أو زمانية، وليس وقفاً على أمّة بعينها، ولا على لغة أو جنس من الأجناس البشرية، فهو إذن، كما يقول عفيفي: «كحال الفلسفة والفنون، فإنها كلها وليدة تجارب روحية تعتمل في النفوس البشرية، من حيث هي نفوس بشرية لا من حيث هي نفوس شرقية أو غربية، سامية أو آرية».

ويشير عفيفي إلى أن النظريات الصوفية الإسلامية تأثرت بنظريات سابقة عليها، ولكنها تختلف في نتائجها عما سبقها، ويقول: «انظر كيف استغل المسلمون نظرية أفلاطون في المثل، ونظرية أفلوطين في الفيوضات، وكيف وصلوا إلى نتائج لم تخطر على أصحاب هذه النظريات ببال». وتبعاً لذلك، يقول عفيفي: «إن تاريخ التصوف في الإسلام هو جزء لا يتجزأ من تاريخ الإسلام نفسه، ومظهر من مظاهر هذا الدين، وما أحاط به من ظروف، وما دخل فيه من شعوب، وليس شيئاً اجتلب من الخارج، من دون أن تكون له صلة بالتاريخ الإسلامي وروحه وتعاليمه».

مصادر

يدرس عفيفي العوامل التي ساعدت على نشأة الزهد في الإسلام، وأولها تعاليمه، فالقرآن يحث على الورع والتقوى وهجر الدنيا وزخرفها، ويعظّم من شأن الآخرة، كما يدرس مصادر التصوف وعلى رأسها القرآن الكريم والحديث الشريف، حيث استخدم المتصوفة في فهم هذين المصدرين طرقاً متنوعة في التفسير، وقرأوا في نصوصهما معاني جديدة لم يسبقهم إليها أحد، وهناك مصادر أخرى مثل علم الكلام، حيث إن كثيراً من المسائل الصوفية الفلسفية متصل بعلم الكلام. ومن المصادر التي يذكرها عفيفي «الأفلاطونية الحديثة» التي أثرت في جميع مناحي الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامي، وهو كما يرى «مجهولة الأصل عند المسلمين، فهم عرفوها عن طريق التلقين الشفوي، وعن طريق المختصرات التي ألّفها بعض السريان المسيحيين، وهناك أيضاً التصوف الهندي، وغير ذلك».

إن التصوف يخاطب العقل أكثر مما يخاطب الوجدان، ويدعو إلى النظر في خلق السماوات والأرض، ليستدل الناظر بما يشاهده، وما يلاحظه في الكون وفي نفسه على قدرة الله تعالى، ووحدانيته، وعظمته وجلاله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"