عادي
مفاهيم كونية في القرآن

حِجارة من سِجِّيل

22:46 مساء
قراءة 3 دقائق
حميد-مجول-النعيمي

أ.د. حميد مجول النعيمي *

(1): «وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً من سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ» (هود 82)

(2): «وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ» (الحجر 74)

في الجيوفيزياء أن الطين الجيولوجي ورماد البراكين وغُبار الشهب تجعل من نواة قطرة الماء مادةً صلبةً جداً، فإذا مرّت القُطيرة بأجواء دافئة أو حارة تعمل على تبخير الماء من حول نواة القطرة الطينية المتضخمة وتتكون حِجَارَة السِجيل بحجومٍ مختلفة. ونقلها من طريق الرياح ليس متعذّراً فيزيائياً، فضلاً عن آلية تكوينها المحلية، إلا أننا نُرجّح أثر الفعل «أمطرنا» بوجود الماء مع الطين أولاً ومن ثم تبخره بسبب تحديد شكل الحجارة من طريق إحاطة مادتها بالماء ثانياً. وإذا تجمد الماء حول حُبيبات الطين فإن حجارة السجيل تصير ثنائية المادة الصّلبة: الطين والثلج فيصبح مفعُولها مضاعف الأذى والتأثير ! أما البَرَد، بوصفه راسباً ثلجياً على شكل كرات أو كُتلٍ من الثلج، فيتراوح قطره من 15-50 ملم، إذ يسقط البَرد من السحب الرُّكامية الممطرة و65% من بَرَد الزوابع العنيفة يكون بيضوياً في شكله إلا أنه يكون مركباً أحياناً على شكل قطعٍ غير منتظمة بسبب التحام أكثر من حبة برد.

«وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ» (الشعراء 173)، يذهب التفسير إلى جعل هذا المطر كما في الآيتين 1 و2، حجارة من سجيل. ولو عدنا بالمعنى إلى المطر الغزير فالسيول الجارفة المدمرة لما أخطأنا، ثم لو عدنا به إلى المطر الملوث بالمواد الكيميائية التي تزيد على الحاجة أو النسبة المقبولة لما أخطأنا أيضاً، إذ إن نتائج مثل هذه الأمطار مدمرة بالقدر الذي يفضي إليه حجر السجيل، الأعراف(84): «أَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ» أي منح لفظة المطر معنى حجارة السجيل وحدها، استدلالاً بالآيتين 1 و2 لأن السياق التاريخي يبدو متشابهاً إزاء دوافع الإمطار وأسبابه في كل حالة، أما الآثار التاريخية فليس لها فعل مؤثر في اختيار هذا المعنى الذي لا يمنح غيره من المعاني الفيزيائية أو الكيميائية، بل إننا نرجحهما معاً بسبب معرفة الإنسان حقيقة كل منهما في عصورٍ متأخرة، فلم يكن له أن يقدّر شيئاً يجهله وقت حدوثه أو بعد حدوثه ولو بمدةٍ طويلةٍ مع استمرار حالة جهله فحوى المطر المدمر على حقيقته، لأن في الآية 1 جزءاً من مدلول قوله تعالى: «وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ» وليس العكس، كما نرى أن نقل الكل إلى الجزء يبتعد عن الخطأ كثيراً بينما نقل الجزء إلى الكل لا يبتعد عن الخطأ كثيراً، فالأصل في المعنى نزول الماء مطراً، أما الاستثناء فهو حجارة السجيل آية، فإذ صارت آية حجارة السجيل معنىً لصيقاً بالمطر أخفت المعاني الأخرى المحتملة على وجهي علاقة المطر، بالفيزياء والكيمياء، وهو ليس بصحيح على الإطلاق، لأن المطر معروف ولا يمكن نسخ معناه.

لنقرأ آيات الرعد والبرق: «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ، ويُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ..» الرعد 12،13.

«وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا.» الروم 24.

يتكون البرق من جرّاء تصادم غيوم الشحنات السالبة بغيوم الشحنات الموجبة، وأحياناً ترتفع درجات حرارة البرق إلى آلاف الدرجات وتكون الصواعق المرعبة الحارقة، فإذا سار البرق في الهواء، تمدد الهواء بفعل حرارة البرق العالية، وبعد التمدد يعود الهواء البارد ليملأ هذا الفراغ، فيكون الرعد ومن ثم الصواعق.

البرق هو ضوء الرعد، والرعد صوت البرق، وبما أن سرعة الضوء 300000 كم/ثا وسرعة الصوت 330م/ثا فإن الضوء أسرع من الصوت بكثير، فالإنسان يرى ضوء البرق قبل سماع صوت الرعد، فيبدأ بالخوف والهلع لأنه يتوقع بعد البرق أَنْ تأتي الرعود والصواعق المُخيفة فيخاف منها، وبعد ذلك يُرى الغيث يهطُل فيُطمع به لينزل من السماء الماء الذي يُحيي الأرض |(خوفاً من أن يكون البرق صاعقة قاتلة، وطمعاً في أن يكون وراءه سحابٌ مثقلٌ بالأمطار، تخافون الصواعق أن تميتكم، وتطمعون بالماء أن يحيكم ويسقي أرضكم وزرعكم ويعطيكم الرزق)، «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ» الذاريات 22. ونحن جميعاً بين الخوف و الطمع وبين الرجاء والحذر وبين التفاؤل والقلق.

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"