عادي
طقس تراثي يندثر بسبب التكنولوجيا

يوقظ ذكريات الصائمين في رمضان«المسحراتي»

23:17 مساء
قراءة 3 دقائق
المسحراتي
أشهر مسحراتي بالعالم العربي

تحقيق: مها عادل
ارتبط المسحراتي ببهجة شهر رمضان، فوجوده طقس احتفالي تسعد به العائلات، وتحفظ كلماته المنغمة التي يرددها عن ظهر قلب، وظهرت هذه المهنة التطوعية في معظم أنحاء العالم الإسلامي، فكان يطلق عليه اسم المسحراتي، أو المسحر، أو «النقار»، كما يطلق عليه في بلاد المغرب، ولأنه كان جزءاً من نسيج المجتمع المحلي للشارع أو الحارة التي يطوف بها، فمن الطبيعي أنه كان يعرف جيرانه من أفراد العائلات المقيمين بالحارة بأسمائهم، ويناديهم على إيقاع الطبلة بنغمات معروفة للجميع، وهو يحثهم على النهوض لتناول السحور، كما كان الأطفال يفرحون بسماع أسمائهم على لسانه، وينتظرون موعده بلهفة وسعادة.

لكن الحياة تتغير، وأنماطها تتبدل، فلم يعد هذا الطقس التراثي حاضراً بوفرة في رمضان، حتى أصبح أحد أفراد الأسرة يقوم بهذا الدور، لإيقاظ العائلة للسحور، وتفاصيل وحكايات أكثر في هذه السطور.

تقول دليلة محمد، ربة بيت تعيش في الشارقة: «لم أتوقع يوماً أن أكون مسحراتي البيت، لكن في الواقع هذا ما يحدث يومياً، خصوصاً في رمضان، فمن ضمن مهامي كأم مسؤولة عن رعاية البيت والأولاد أن ألعب دور ميقات البيت طوال العام، فأوقظهم مبكراً للحاق بحافلة المدرسة، وأوقظ زوجي للذهاب إلى عمله في موعده، وأحرص على متابعة مواعيد نوم الأطفال، فأنا مسؤولة انتظام دورة الحياة داخل البيت، وفقما اتفقت أنا وزوجي، لذلك عندما يزورنا رمضان، أكون أنا المسؤولة عن إيقاظ أفراد الأسرة لتناول السحور، وأذكرهم بصلاة الفجر جماعة».

وتضيف: «من الطريف أنني أجد نفسي أتقمص شخصية المسحراتي بالفعل، وأنقر على أبواب غرف الأبناء، وأنا أغني وأردد كلمات الأغنية الشهيرة (اصحى يا نايم.. وحد الدايم.. رمضان كريم)، بنفس الإيقاعات التي تربينا على سماعها على لسان المسحراتي، فقد كانت القنوات التلفزيونية تنقل لنا فقرة تذاع يومياً قبل أذان الفجر بعنوان (المسحراتي)، وأذكر في طفولتي أن برنامج المسحراتي كان من غناء وتقديم الفنان الكبير سيد مكاوي بصوته العذب المميز، ولذلك يسعدني كثيراً أن تدور الأيام، وأجد نفسي أتقمص شخصيته، وأتمنى عودة فقرة المسحراتي على شاشاتنا ليعرفها الأطفال ولا تندثر».

مسحراتي محمول

أما أيمن عبدالقادر، موظف في دبي، فيعوض غياب المسحراتي في حياتنا بطريقة تواكب العصر ومستجدات التكنولوجيا، وعن ذلك يقول: «بطبيعتي ومنذ بداية سن المراهقة لا أفضل الاعتماد على غيري لإيقاظي وتذكيري بمواعيدي والتزاماتي، ولهذا كنت منذ بداية شبابي أعتمد على «المنبة» الذي أضبطه على موعد الاستيقاظ، سواء لمواعيد الدراسة أو لغيرها، وتعودت أن يستجيب جهازي العصبي لصوت جرس المنبه».

ويستدرك عبدالقادر، بقوله: «لكننا الآن، وفي شهر رمضان يلعب الهاتف المحمول دور المسحراتي، حيث أضبطه على موعد السحور، وخصصت أغنية «رمضان جانا»، لتكون الصوت الذي أستيقظ عليه يومياً في ليالي رمضان، لتذكيري بأجواء الشهر الجميلة، كما أستخدم الهاتف المحمول أيضاً لتذكيري بمواعيدي حتى مواقيت الصلاة، ورغم اعتزازي الشديد بخصوصية الذكريات عن المسحراتي، وما تحمله داخلنا من ذكريات الطفولة السعيدة، وتحيي داخلنا الحنين إلى الماضي، نتذكر بها روح رمضان وسط العائلة في أجواء مفعمة بالود، لكنني لا أجدها مناسبة لأيامنا الآن، ولابد من إيجاد بدائل عنها تناسب ظروف عصرنا».

دور لا يسقط بالتقادم

تختلف سلمى محمود مع رأي أيمن عبدالقادر، وتتشبث بأهمية دور المسحراتي داخل أسرتها، وتقول: «بالتأكيد دور المسحراتي في حياتنا يحتفظ بأهميته خلال رمضان، وهو دور لا يسقط بالتقادم، خصوصاً أنه شهر أصبح يأتي في فترة العام الدراسي، والأبناء لا يستطيعون السهر في ليالي رمضان بسبب استيقاظهم المبكر للذهاب إلى المدرسة، ولهذا لابد من أن يكون هناك شخص في كل عائلة مسؤول عن إيقاظ الجميع وقت السحور وإحياء دور المسحراتي المهم».

وتضيف: «في الحقيقة، فإن من يؤدي هذا الدور الفاعل في بيتنا، هو والدي متعه الله بالصحة والعمر الطويل، فهو يزورنا خلال رمضان ويقضي معنا الشهر الكريم، ويأخذ على عاتقه منذ بداية رمضان إيقاظنا جميعاً لتناول وجبة السحور، خصوصاً أنه لا يُخلد للنوم إلا بعد صلاة الفجر كل يوم، حيث يحرص على أداء صلاة التراويح ثم قيام الليل وقراءة القرآن الكريم في ليالي رمضان، ويحرص على دعواته لنا التي لا تنقطع، ولأبي أسلوبه في تقمص شخصية المسحراتي بطريقة كوميدية، ليتمكن من إيقاظنا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"