لبنان.. انتهى زمن المعجزات

01:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

مازال وسيظل أبريل/نيسان شهراً أسود في الذاكرة اللبنانية، ففي الثالث عشر منه انطلقت شرارة الحرب الأهلية، انطلقت بين لبناني وغير لبناني، ولكن سرعان ما انخرطت فيها جميع الطوائف اللبنانية، وعلى مدى 15 عاماً لم تسلم من أذى الحرب منطقة ولا فصيل لبناني، الكل حارب أخاه وقذف شقيق الوطن وقتل ابن مدينته أو قريته وحاصر جاره. الكل تورط والسلاح تدفّق على الجميع من كل فج عميق، من كانوا لا يريدون إطفاء النار ويريدونها ممتدة، كانوا يديرون الحرب من الخارج ويتحكمون فيها ويحددون توقيت إطلاق القذيفة أو الصاروخ واتجاهه وهدفه، لذا وفروا لكل الفصائل العدة والعتاد والمال الذي خرّب الوطن وأفسد النفوس وأشعل نار الطائفية. 
توقف إطلاق النار والقتل على الهوية والفرز الطائفي عام 1990، فهل انتهت الحرب؟، وهل توقف الصراع؟
لا. لم تنته الحرب ولم يكن اتفاق الطائف سوى مسكّن لآلام وطن وأوجاع شعب، والحرب لا زالت مشتعلة حتى الآن بوسائل أخرى؛ بل ألقت بظلال كئيبة على حياة الناس تفوق كثيراً ظلال أصوات القذائف، فلم يعانِ الناس العوز قبل 1990، ولم يمت الأطفال جوعاً، ولم يهتز الاقتصاد ولم تنقطع الأدوية ولم تغلق مستشفيات ولم تتوقف مصالح الناس ولم يختف رغيف الخبز ولم تجف محطات الوقود، ولم تُصَب الدولة بالكساح وتصبح مريضاً نائماً في غرفة الإنعاش، ولا يجد من بين أولاده من يُنعشه ويوفر له الدواء ليفيق ويستعيد صحته وحيويته ومكانته. 
في ذكرى الحرب الأهلية غردت جميع القيادات اللبنانية، والكل تمنى ألا تعود تلك الأيام المشؤومة مرة أخرى، وكأنهم لا يدركون أن الأيام الحالية أكثر شؤماً، وكأنهم لا يعون أنهم هم أنفسهم القادرون على انتشال دولتهم من الضياع، وبيدهم وحدهم استعادة لبنان المستقل، إذا تخلى كل منهم عن أنانيته، وقرروا أن يتوحدوا سوياً في حب الوطن وحرصاً على الشعب وحماية للأرض وتحقيقاً لحلم الدولة القادرة على صون سيادتها والتصدي للطامعين فيها والمستهدفين لها. 
بعد نيسان/أبريل، سيأتي أيار/مايو، ومنتصفه موعد التغيير لمن استوعب الدرس وأدرك أن الفئة الحاكمة والمتحكّمة الآن، عاجزة عن حل مشاكل الدولة وتحقيق طموحات الشعب، وأنهم ليسوا سوى مستغلين للتنوع الطائفي، وأن التمسك بهم والتصويت لهم ليس سوى تشييع الدولة إلى مثواها الأخير، فالصوت ضمير والتغيير حق لمن أراد للبنان بقاء. وبعد أن فشلت انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول في أن تتحول إلى ثورة وتُحدث تغييراً، فإن الباب الوحيد للتغيير في لبنان هو صندوق الانتخاب، إذا وقف كل ناخب أمام ضميره وتذكر أن لفظ الطائفية ممكن وأن بناء لبنان الواحد المتوحّد ليس مستحيلاً، وأن الشعوب هي التي تحدد ملامح أوطانها، وبيدها وحدها إسقاطها في الفخاخ المعدة لها أو انتشالها منها والتحليق بها عالياً حتى تنال المكانة المستحقة بين دول العالم. 
ومثلما تمنى كل قيادي ونائب لبناني في ذكرى 13 نيسان/أبريل، أن لا تعود الحرب ثانية، فإن كل لبناني يعي أن الحرب لا زالت قائمة، إنها سياسية ولكنها شرسة، فلا يكاد يمر يوم على اللبنانيين إلا ويترقبون ما الذي سيصرح به هذا الزعيم أو ذاك، وما هي حدود التصعيد التي سيصل إليها، ومن سيسب ويشتم، ومن سيهدد ويتوعد، وما هي الرسائل المبطنة بين ثنايا كلماته، وفي المقابل لم يعد الناس ينتظرون إنجازاً بعد أن انتهى زمن الإنجازات، ولا ينتظرون حلاً لأزمة بعد أن استعصى الحل على من بيدهم القرار. 
انتهى زمن المعجزات، ولن يتم انتشال لبنان بمعجزة، ولن تمنع معجزة اشتعال حرب جديدة بعد أن مهدت الأرض لها الحروب السياسية، ولن يتحقق الاستقرار للبنان سوى بإرادة أهله وناسه. 
إن حلم الكثيرين أن يكون 2022 عام التغيير في لبنان، والأحلام لا تحققها سوى الإرادة، ولو توافرت الإرادة الشعبية العابرة للطائفية والرافضة للتمترس وراء زعماء لا يسعون سوى وراء مصالحهم الضيقة، فإن الشعب اللبناني يستطيع، وفي حال نجح في انتخاب مجلس نيابي مختلف، فإن هذا المجلس سيختار رئيساً مختلفاً يتولى المسؤولية بعد انتهاء مدة الرئيس الحالي في 31 أكتوبر المقبل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"