مجلس التعاون.. وأُمنيات المواطن

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.يوسف الحسن

ما يُلفت الانتباه، ومنذ سنوات، تراجع الاهتمام والكلام حول مجلس التعاون الخليجي، لا حماسة شعبية متفاعلة معه، وتحول المثقف العربي في الخليج والجزيرة العربية، بمؤسساتهم الأكاديمية والبحثية والثقافية والإعلامية، إلى متفرج على المجلس، أو لا مبالاة تجاهه، ويُذكرّه بحال مؤسسة النظام العربي الرسمي الأخرى، أي الجامعة العربية، في الأزمنة الأخيرة حتى اليوم.

هذا المشهد لا يسر أحداً، ولا يعثر المواطن العربي على مبرر لهذا الوضع، أو على صيغة لتسويغ هذا «النوم»؛ بل إنه يصيب الإنسان في كثير من الأحيان بالدوار السياسي؛ إذ كيف يمكن قبول هذا الجمود واللامبالاة في هذه الأيام المملوءة بالزلازل والكوابيس والهواجس، فضلاً عن سرعة التحولات والتهديدات ومخاطرها على الحاضر والمستقبل في آن؟ يتساءل المواطن البسيط: أين المجلس في ظل هذا التسارع الجارف للأحداث والتحركات في الإقليم وفي خارجه؟ أين هو من هذا المشهد السوريالي العربي، والخليجي جزء منه؟ أين الموقف والتشاور والمبادرات المؤثرة، إن في إعادة ترتيب البيت الخليجي، وتعزيز مناعته ونسيجه، والوقاية من احتقانات وأزمات نائمة، وأخرى غير متوقعة، أو في السعي لإعادة التوازن والمنعة في البيت العربي، الذي يعاني تواصل الخيبات والتمزق وضعف عناصر القوة المبصرة؟ في «إعلان أبوظبي» الصادر عن الدورة الأولى للمجلس الأعلى لمجلس التعاون في مايو 1981، جاء ما نصَّه: «إن الفرصة التاريخية مهيأة لنا اليوم، كي نتخذ الخيار، ولكنها قد لا تكون مهيأة لنا في المستقبل».

وكان الخيار وقتئذ «هو الوصول بالإقليم إلى اندماج حقيقي وشامل للقطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية».

لقد مر الآن أكثر من أربعين عاماً، فهل مازال المجلس ينعم بهذه الفكرة أو هذا الخيار؟ ما الذي يحول دون أن يقرأ المجلس ومؤسساته وإدارته الراهنة الحاضر الواقع، والذي يموج بالمتغيرات والمخاطر، بعينين مفتوحتين، وأن يدير نقاشاً عاماً، وأن يدّق الأجراس للخروج من هذا العجز، واليقظة من النوم، والتفكر في طرد الكوابيس، والتفاعل مع الأحداث، برؤى إبداعية وحكيمة وشجاعة؟ إن النقاش العام (في المجلس، وليس حوله) يوفر مناخاً صحياً للحوار والشفافية، ويساعد في إزالة المصدات، ويوقظ «غفوة» المسؤولية.

إن الذين يتجاهلون فضائل النقاش العام يُفاقمون العجز، ويكرِّسون الجمود، والبقاء في حالة «محلك سر» ويساهمون في ارتفاع منسوب وتيرة «الأقواس» المشدودة في المنطقة.

يتوجع المواطن العربي في الخليج والجزيرة العربية حينما يغمض المجلس عينيه، وحوض الخليج بكامله يمور تحت هواجس القلق، فلا يسمع صوتاً ولا مبادرة، ولا حتى همساً، ويتذكر أن دولاً قريبة وأخرى بعيدة تحدثت منذ سنوات عن أفكار لمنظومة للأمن الجماعي المتبادل في الخليج تحقق الثقة المتبادلة، وتوقف الفوضى واللايقين، وتمتص ارتدادات زلازل عراقية وإيرانية، وأخرى تركية ودولية، إلا أن هذا المواطن العربي البسيط لم يسمع رداً، أو مناقشة أو مبادرة تشفي غليله وتجيب عن تساؤلاته وقلقه.

كم يتمنى المواطن العربي البسيط، أن يلمس استنهاضاً لمؤسسات المجلس ولجانه وهيئاته وملتقياته، وإعادة الحيوية للعمل المشترك وبلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة تحفظ مصالح المنطقة ومكتسباتها، وتجنبها الصراعات، وتعزز التكامل بينها.

وكم يتمنى المواطن العربي البسيط في الخليج والجزيرة العربية لو بادر المجلس في اجتراح مبادرة للمساعدة في بناء عراق معافى وقوي، وكعمق لهذا المجلس، واستعادة توازنه، ودوره الطبيعي، كعراق طبيعي وصحي وعروبي. إن ما يصيب دولة عربية من خير أو شر، ينعكس على الجميع.

وكم يتمنى المواطن العربي البسيط ويحلم بدور للمجلس، في بلورة مشروع لعلاقة جديدة ما بين العراق والكويت، وعلى أسس سليمة وصحية، تتجاوز أحزان وعقد الماضي، والتوترات الصراعية المدمرة، ونوازع الابتزاز والأثر الرجعي الثأري.

ليبدأ المجلس من حيث ينبغي أن يبدأ، لا من حيث تشتهي ذهنيات أدمنت التسلي بسيوف خشبية، وبخطابات سياسية وإعلامية مزخرفة.

........

تذكرت قصة طريفة لدبلوماسية «فطرية» مارسها زعيم عشائر بني حسن العراقية، حينما قام الحاكم الإداري للاحتلال الأمريكي بريمر بزيارة إلى مرابع هذه العشائر في الفرات الأوسط، (وقد استقبل بحفاوة). وعرض بريمر رغبته في الانتساب إلى هذه العشائر، لكن الرد الدبلوماسي من زعيم هذه العشائر شمل تعريفاً بشروط الانتساب، القائمة على المصاهرة، فإما أن يتزوج بريمر امرأة من العشيرة، وإما أن يتزوج أحد أبناء العشيرة فتاة من عائلة بريمر. ولأن القانون الأمريكي لا يسمح بتعدد الزوجات، فإن الفرصة الوحيدة المتبقية لقبول طلب الانتساب، هي أن يتزوج شاب عراقي من بني حسن، فتاة من أسرة بريمر.

.......

التاريخ مستمر في مجراه، لا يعيد نفسه كما يشاع، ولكن الإنسان هو الذي يكرر خطأه، وقيل غباءه، والله أعلم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"