نحو التعددية القطبية

01:21 صباحا
قراءة دقيقتين

مهما حاولت الولايات المتحدة المحافظة على تسيّدها العالم بمساندة أوروبية، فإنها غالباً ستفشل، لأن هذا الواقع الآن تغير، ولم يعد ممكناً، فالرغبة الأمريكية في الحفاظ على قطبيتها المتفردة التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ولىّ من غير عودة، ولن يكون بإمكانها التصرف كما لو كانت شرطياً للعالم، فثمة تفاعلات دولية على مدى العقدين الماضيين اختمرا وأنتجا واقعاً جديداً، يؤكد أن ثمة منافسين آخرين برزوا وبدأوا يناطحون واشنطن على النفوذ العالمي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
 مؤشرات كثيرة أوضحت هذا التغير الحاصل في العالم، لكن الحرب الروسية - الأوكرانية، أظهرته جلياً دون لبس، حيث عزمت موسكو من خلال عمليتها العسكرية إلى تثبيت قواعد جديدة تتجاوز أوكرانيا نفسها، فهي تريد إنهاء الهيمنة الغربية، وقطع أذرعها التي امتدت إلى جوارها. فالتحرك العسكري كان بالنسبة لروسيا لا مناص منه، مع ارتفاع اللهجة الغربية التهديدية، التي بدأت بطرد السفراء وفرض عقوبات عليها، واستخدام الخطاب الاستعلائي، وانتهاء بضم دول الجوار للناتو، واتخاذ أوكرانيا -التي تشكل العمق الاستراتيجي لموسكو- قاعدة يتم فيها بناء قدرات تراها روسيا مهددة، وهو ما قاله سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي من أن الأزمة الأوكرانية كانت بمثابة انفجار للمشاكل الأمنية المتراكمة في أوروبا، داعياً إلى استخلاص المنافسين الدروس من هذه الأزمة، لأن ما بعدها ليس كما قبلها.
 لذا فإن هذه المعركة كان لها عنوان بارز وضعه بوتين، الذي أكد في أكثر من مناسبة، أن الهيمنة الغربية بدأت بالتراجع أمام نظام متعدد الأوجه، وشدد على هذا التوجه وزير خارجيته الذي قال من بكين، إننا نمر بمرحلة خطرة، وسنتحرك مع الصين وشركائنا نحو عالم متعدد الأقطاب، مشدداً «أنه مع انتهاء هذه المرحلة ستتضح ملامح الوضع الدولي بشكل كبير، وسنتحرك نحو نظام عالمي متعدد وعادل وديمقراطي».
 الصين وروسيا لا تخفيان توجههما، فهما متفقتان على أن تفرد أمريكا في قيادة العالم سيجلب لهما الويلات، لذا فثمة تحالف بين الدولتين، نحو هدف رئيسي، يتمثل في تحطيم الهيمنة الأمريكية التي تحارب كلتا الدولتين، فبكين على غرار موسكو، تعاني  «مشاكل أمنية» في بحر الصين الجنوبي، وترى في الدعم الأمريكي لتايوان تدخلاً لا بد من وقفه آجلا أم عاجلاً، إضافة إلى ما تعانيه من «بروباغندا» موجهة من إمبراطوريات الإعلام الغربية ضدها عبر إثارة الرأي العام، في ما يتعلق بأزمة «كورونا»، وغيرها، ومعظمها دون أدلة، فضلاً عن الحرب التجارية التي أشعلها ترامب ومضى بايدن على خطاه في ذلك.
 يمكن القول إن الأوضاع العالمية تموج الآن، لينبثق عنها نظام جديد، وثمة تحالفات يشهدها العالم، تمهيداً لهذه المرحلة، رغم المحاولات الأمريكية لوأدها في مهدها عبر التضييق على المنافسين، لكن هذه المحاولات قد يكتب لها الفشل مع تصميم غيرها على الصعود، في حين يبقى الأمل ألا تنجرف الأمور إلى تصادمات عسكرية بين الدول الكبرى، لأن البشرية ستكون في خطر محدق، ولن تنفع معها التعددية القطبية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"