عادي

إيمانويل ماكرون من الرئيس الفرنسي الأصغر سناً إلى الفوز بولاية ثانية

23:39 مساء
قراءة 4 دقائق
ماكرون

باريس - أ ف ب

في 2017، أصبح إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الأصغر سناً، وجدّد الفوز، الأحد، بحصوله على ولاية رئاسية ثانية، لكن البريق لم يعد ذاته، ما يدل على المشاعر المتناقضة التي يثيرها.

خلال السنوات الخمس الأخيرة التي أمضاها ماكرون في قصر الإليزيه، صدم الفرنسيين بأسلوبه في ممارسة الحكم؛ حيث لقي الإعجاب عندما قلب قواعد اللعبة التقليدية، وتجاوز الانقسام التاريخي بين اليمين واليسار، لكن وُصف بالعجرفة من جانب جزء كبير من الفرنسيين الذين عدوه منفصلاً عن واقعهم.

في الوقت نفسه، سجّل نقاطاً على الصعيد الدولي، بخوض تحديات أوروبية وقضايا مرتبطة بالذاكرة.

أصغر رئيس فرنسي

من شخصية مغمورة لم يسبق لها أن انتُخبت لأي منصب عام، أصبح وزيراً للاقتصاد في حكومة الرئيس الاشتراكي السابق فرانسوا هولاند، ثم أصغر رئيس سنّاً يدخل قصر الإليزيه في 2017، بينما كان في التاسعة والثلاثين من العمر. وقد فاز يومها أيضاً على مارين لوبان في الدورة الثانية.

عرف الشاب الطموح كيف يرسم لنفسه صورة الآتي من خارج الحلبة التقليدية لليسار واليمين، والقادر على اللعب بحنكة على وتر تشتت الأحزاب التقليدية في الجمهورية الخامسة.

أحاط نفسه بفريق وفي يرتكز على شبان في الثلاثينات من العمر بنوا خبراتهم في مجالات الإعلان والاستشارات والمناصب الإدارية.

وثابر المصرفي السابق وخرّيج «المدرسة الوطنية للإدارة» (إينا)، الممر شبه الإلزامي لكل طامح لتولي مسؤولية عامة عليا في فرنسا، في أسلوبه بإثارة المفاجآت وحتى الصدمة.

بسرعة، التصقت به صفة «رئيس الأثرياء» ونخب المدن، لا سيما بعد قرارين اتخذهما في بداية ولايته الرئاسية ولم يقبل بهما اليسار على الإطلاق وهما: إلغاء الضريبة على الثروة، وخفض الإعانات للإسكان.

في نظر قسم من الفرنسيين، تؤشّر مواقف علنية وتصريحات أدلى بها على انفصاله عن حياتهم اليومية، مثل حديثه عن أناس «لا يساوون شيئاً»، أو اعتباره أن العاطلين عن العمل قد يجدون وظيفة بمجرد «أن يعبروا الشارع».

أثار ماكرون بذلك رفضاً لا عودة عنه لدى بعض اليسار والأوساط الشعبية.

وشدّد خلال حوار تلفزيوني في كانون الأول/ ديسمبر، على أنه اكتسب «الكثير من الاحترام للجميع»، مقراً بأنه في غياب ذلك «لا يمكننا تحريك شيء».

شعبية كبيرة

في 2020، وفي خضّم التحذيرات والمخاوف من التغيّر المناخي، أثار انتقادات الخبراء البيئيين بعدما سخر من الذين يفضّلون «العودة إلى مصباح الكاز».

أضرّت علاقته الوثيقة بالمكاتب الاستشارية التي اعتمد عليها بشكل كبير، بصورته في نهاية ولاية رئاسية طبعتها بشكل لا لبس فيه تحركات «السترات الصفر» الاحتجاجية على سياساته الاجتماعية في 2018 و2019.

أقدم ماكرون أيضاً خلال ولايته على رهانات تنطوي على مخاطرة، مثل رفضه في كانون الثاني/ يناير 2021 فرض إغلاق شامل جديد نادى به وزراء وعلماء في خضم تفشي جائحة كوفيد-19، إلا أن هذا القرار صبّ في نهاية المطاف في مصلحته.

على الرغم من ذلك، أنهى ماكرون ولايته الأولى وهو يتمتع بشعبية أكبر من تلك التي حظي بها - في الفترة ذاتها - سلفاه فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي.

وسعى ماكرون إلى توسيع قاعدة شعبيته خصوصاً في المراحل الأخيرة؛ إذ ابتعد عن ميله الإصلاحي الليبرالي واختار توفير مساعدات اجتماعية واقتصادية هائلة خلال الجائحة، ووضعها في إطار معادلة مساعدة الفرنسيين «مهما كلّف الأمر».

وفي الآونة الأخيرة، عاد إلى تكرار عبارة «في الوقت عينه» التي ردّدها مراراً خلال حملته الانتخابية في 2017، ودفع بالإجراءات الاجتماعية في برنامجه الى الواجهة، في وقت بدا أن وجهة أصوات اليسار قد تكون فاصلة في الدورة الثانية من الانتخابات.

ووصل به الأمر إلى التأكيد خلال تجمع انتخابي في مدينة نانت بغرب فرنسا، أن «حياتنا أغلى من أرباحهم»، وهو شعار يرفعه اليسار المتطرف.

تصالح مع التاريخ

أبقى ماكرون على هوامش في بعض القضايا العقدية، إلا أنه لم يحد مطلقاً عن تلك المؤيدة لأوروبا. وقد جعل من القارة الركن الأساسي لدبلوماسيته على مدى خمسة أعوام، وهو يدفع باتجاه تعزيز الدفاع الأوروبي.

منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط/ فبراير، بقي ماكرون أكثر القادة تواصلاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويقوم بدور الوسيط بين الكرملين من جهة، وقادة الغرب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من جهة أخرى.

ودفع الرئيس المنتهية ولايته المجتمع الفرنسي نحو خطوات تصالحية مع تاريخه في قضايا بقيت عصيّة لعقود؛ إذ شهدت ولايته تقارباً لافتاً بين باريس وكيغالي بعدما نشر في 2021 تقريراً للجنة مؤرخين أعدّ بطلب منه، يقرّ بأن فرنسا تتحمل «مسؤولية كبيرة وجسيمة» في الإبادة الجماعية لأقلية التوتسي في رواندا عام 1994.

كما قام بمبادرات للتصالح مع ذاكرة حرب الجزائر، فأقرّ بأن عالم الرياضيات موريس أودان قتل تحت التعذيب، وبأن المحامي القومي علي بومنجل «تعرض للتعذيب والقتل» على يد الجيش الفرنسي، مناقضاً الرواية الرسمية بانتحاره.

وطلب العام الماضي الصفح من الحركيين الجزائريين الذين قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر، والذين «تخلت عنهم» فرنسا.

وفي شباط/ فبراير 2017، أثار إيمانويل ماكرون الذي كان حينها مرشحاً للانتخابات الرئاسية، استنكار اليمين والفرنسيين العائدين من الجزائر بعد إعلانه أن الاستعمار «جريمة ضد الإنسانية».

وأعرب مطلع 2022 عن «عرفان» بلاده للفرنسيين الذي عادوا من الجزائر، ودعا إلى الاعتراف ب«مجزرتي» إطلاق النار الذي حصل في شارع إيسلي في الجزائر في 1962، وفي وهران في 1962، بعد توقيع اتفاقات إيفيان.

كما عمل ماكرون، وهو أول رئيس فرنسي يولد بعد انتهاء حقبة الاستعمار، على تحسين العلاقات مع دول إفريقية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"