عادي

ابتعاد القمر

23:46 مساء
قراءة 3 دقائق
حميد مجول

أ.د. حميد مجول النعيمي *

«فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ، وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ» القيامة 7-9.

إن القمر ليس ثابتاً في مكانه والمسافة بينه وبين الأرض في ازدياد، ومحتمل وبعد مليارات السنين أن يبتعد عن الأرض إلى أن يعجز عن موازنتها وبذلك تحصل الكوارث؛ لأن دور القمر هو جعل الحياة مستقرة على كوكبنا، وفي حال ابتعاده عن الأرض سوف تزداد درجات الحرارة كثيراً بحيث تتبخر مياه البحار والمحيطات ويذوب الجليد وترتفع المحيطات إلى عشرات الأمتار وقد تثور الأعاصير وتشتد سرعة الرياح وتغبر السماء وتستمر الأعاصير لأجيال طويلة.

ولا سمح الله سوف تفنى الحياة ببساطة وتدمر ذاتها بذاتها، وبالتأكيد لا يحدث ذلك إلا بمشيئة الله، «لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» يس 40، أي حركة القمر حول الأرض وحركة الكواكب حول الشمس تستمران إلى ما شاء الله. ومن المتوقع فلكياً بعد مليارات السنين أن تتحول الشمس إلى نجم عملاق أحمر ومادتها المتمددة ستصل إلى مدار بعد الكرة الأرضية، أي أنها ستغطي الكواكب القريبة من الشمس وهي عُطارد والزهرة والأرض وكذلك القمر، وبالتأكيد ستتحول هذه الأجرام إلى أشلاء تندمج مع المواد الغازية والترابية للشمس وقد تكون هذه اللحظة هي اجتماع الكواكب الصخرية الثلاثة الأولى مع الشمس بما فيها القمر لتكون نهاية الأرض «وجُمِعَ الشمسُ والقَمَر» والله أعلم.

تخبرنا قياسات المدى بالليزر أن القمر يتحرك بعيداً عن الأرض بمعدل حوالي 3.78 سم لكل عام. وفي حال ابتعاد القمر لمسافة مئات أو آلاف الكيلومترات عن مساره الأرضي ستبدأ كوارث قاتلة في الأرض، مثلاً: سيختل دوران الأرض ويكون غير ثابت ولا يمكن حينها التنبؤ بكيفية مساره وإلى أين يسير كوكبنا حينها، ربما تسحبه جاذبية الشمس فيحترق الكوكب بالكامل أو يفر مبتعداً عنها كأن يقترب من الكواكب العملاقة من جراء جاذبيتها فيتجمد كل شيء في الحياة، وفي كلتا الحالتين لن تعود الأرض صالحة للحياة.

تكمن أهمية القمر بالنسبة لنا بالاستقرار، فالقمر يوفر قدراً مناسباً من الجاذبية على الأرض وهو بالنسبة لبقية أقمار الكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية يُعد كبيراً نسبياً إذا ما قارناه بحجم الأرض، فالقمر هو الجرم التابع للأرض، فالجاذبية بينهما قوية وتجعل محور دوران الأرض حول نفسها ثابتة أي أنه بمثابة حارس للأرض.

تميل دائرة الاستواء الأرضي إلى دائرة البروج بزاوية قدرها (23.5) درجة تقريباً (ميلان محور الأرض 23.5 درجة)، وبسبب هذا الميل تظهر الفصول الأربعة في الأرض الممهدة والمسخرة لعيش الكائن الحي عليها.

ميلان محور الأرض مناسبة لانتشار ضوء الشمس بشكل معتدل على كافة أرجاء اليابسة ويجعل درجات الحرارة معتدلة وكذلك المناخ على سطحها معتدلاً ومتقلباً صيفاً شتاءً بسبب هذا الميلان المحوري البسيط، ولولاه لبقيت الصحراء صيفاً طوال العام ولبقيت المناطق الشمالية والجنوبية في الأرض شتاء باستمرار.

يحافظ القمر على درجة ميلان الأرض وتقلبات درجات الحرارية في كافة أقطار الأرض وبالتالي التعادل في التوزيع المناخي، وتتوالى الفصول الأربعة بانتظام، فعندما يميل القطب الشمالي نحو الشمس يصبح الفصل صيفاً في الشمال وشتاءً في نصف الكرة الجنوبي، وعندما يميل نصف الكرة الشمالي مبتعداً يحدث العكس.

والقمر يساهم في رؤيتنا لشروق الشمس وغروبها «فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ» المعارج 40.

ولو لم تكن تخضع الأرض لقانون الجاذبية مع القمر لرأينا الشروق والغروب في أماكن مختلفة وبأوقات مختلفة أيضاً، كما أن العديد من النباتات الحولية والموسمية لن تستطع البقاء في فصل مناخ واحد طوال العام، وبانقراض أنواع عديدة من النباتات الحولية تنقرض معها أنواع عديدة من الكائنات الحية، كالنحل مثلاً فلن يجد أزهاراً متفتحة ليجمع رحيقها والنمل لن يجد حبوباً يحملها ولن تطير أسراب الطيور شمالاً أو جنوباً فلن يكون هناك تقلبات مناخية بين الصيف والشتاء.

وللعلم هناك كواكب أخرى تحافظ على بقاء كوكبنا والقمر ثابتين في مسارهما، فالمشتري العملاق يفوق حجم الأرض ب 1300 مرة ولديه أكثر من 170 قمراً مختلفاً، وبالرغم من مسافته البعيدة إلا أنه يحافظ على كواكب المجموعة الشمسية ويحميها من النيازك والانفلات عن المسار. «وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَاءَ فَوَجَدْنَهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا» الجن 8.

ومحتمل في النهاية أنه إذا انفصل القمر عن الأرض، سينتهي به الأمر إلى الشمس.«‏إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»‏ العنكبوت‏ 62‏

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"