الشارقة: عثمان حسن
كشأن كل الملاحم التاريخية التي تمزج الواقع بالخيال والأسطورة، هناك ملحمة الملك جيسار، وهي الملحمة التي تحكي عن أشهر شخصية أسطورية من التبت، وهو كما تصفه الملحمة نصف إله ونصف بشري، عاش نحو القرن 11 وفي بعض المصادر القرن 12 فهو أحد الأبطال الذين يقومون بغزو الأشرار والشياطين، من القبائل الأخرى الغازية، وفي ذات الوقت، فإن من مهماته الأساسية كما هو شأن الملاحم الأثيرة الوقوف إلى جانب الناس البسطاء والانتصار للمعذبين.
وفي التبت، حيث تقع أحداث هذه الملحمة، يستأثر هذا العمل الكبير الذي يروى على ألسنة الشعراء والمنشدين بأهمية استثنائية، فجيسار بالنسبة لشعوب التبت هو بطل قومي لا ينازعه بطل آخر، وهو كما وصفه أحد الباحثين في إقليم التبت، درة الملاحم ولؤلؤة رائعة في الكنز الثقافي للعالم، وهو بمثابة كنز ثقافي قدمته بلاد التبت للحضارة الإنسانية.
توجد النسخة الأصلية لهذه الملحمة في التبت، وتحتوي بحسب بعض المصادر على نحو 100 مليون سطر شعري، وأكثر من 20 مليون كلمة.
في الصين اليوم، هناك الكثير من المنشدين الذين يقومون بسرد الملحمة أو جزء منها، وهؤلاء ينجذب إليهم شعب التبت، ويحرص على الحفاوة بهم، والملحمة بحسب باحث صيني: «تبرز قدرة المنشد على أدائها، وتمرير معانيها إلى شعب التبت».
في الصين اليوم، لم يبق سوى 130 منشداً فقط لملحمة الملك جيسار على قيد الحياة، بما فيهم التبتيون والمنغوليون وبعض من مجموعة تو العرقية. ومعظمهم من الرعاة الأميين أو الفلاحين من التبت ومقاطعة تشينغهاي ومنغوليا الداخلية، ويعتقد معظم هؤلاء أن قدرة كل واحد منهم على أداء الملحمة تأتي فجأة بعد حلم غريب أو مرض خطير.
وقال أحدهم: «أنا محظوظ لأن ملكة الغناء جاءتني في وقت الطفرة الاقتصادية، الوقت الذي يمكن لطائرة أن تأخذني إلى حيث لم يتسن لأجدادي الذهاب أبداً حتى ولو كانوا قد مشوا طوال حياتهم».
أسهمت التكنولوجيا الحديثة في انتشار أسطورة الملك جيسار إلى جمهور واسع من مواطني التبت، كما أن الفرصة باتت مواتية لنسخ أقراص صوتية وضوئية تسلط الضوء على عمق هذه الملحمة وما فيها من أشعار ملهمة.
