عادي
كارليل يعلن «الحرب» على مهاجمي النبي

محمد المثل الأعلى

22:51 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
جذبت شخصية الرسول الكريم انتباه الكثير من المستشرقين والكتاب والأدباء والفلاسفة في الغرب فكانت موضوعاً للعديد من مؤلفاتهم حيث أفردوا صفحات مشرقة عن أخلاق ومثل وقيم محمد، صلى الله عليه وسلم، وهي المؤلفات التي كانت بمثابة رد على العديد من الكتابات الغربية التي صدّرت صوراً مسيئة عن نبي الإسلام.

الكاتب الاسكتلندي توماس كارليل (1795 - 1881) هو‏ مؤرخ وفيلسوف مشهور وناقد ساخر وكان لأعماله تأثير كبير في العصر الفيكتوري، وكان من المناهضين للتغيرات السياسية والعلمية التي هددت نظام الحياة الاجتماعي، وواحداً من أبرز الكتاب الذين تصدوا للحملات الغربية التي استهدفت نبي الإسلام، بعد أن اطّلع على سيرته وأعجب بقوة شخصيته ونبل أخلاقه. وأجرى كارليل الكثير من البحوث عن الإسلام ونبيه، وهاله ما تعرضت له شخصيته من تجنٍ، فقد أدرك جوانب العظمة ومواطن التقدير والإبهار في ذلك النبي الذي «أدّبه ربُّه فأحسن تأديبه»، فكان أن كتب عنه بحيادية وموضوعية يفتقدها العديد من المؤلفين الغربيين.

ويعتبر كتاب كارليل «محمد المثل الأعلى»، وهو في الأصل محاضرة بعنوان «البطل في صورة نبي»، واحداً من المؤلفات التي اقتربت كثيراً من جوهر الإسلام وشخصية النبي الكريم الذي عدّه المؤلف واحداً من أعظم العظماء الذين أنجبهم التاريخ. وتنبع أهمية الكتاب من كونه صدر في فترة شهدت الكثير من التخرصات من قبل المستشرقين الغربيين في حق الإسلام ونبيه، حيث حاولوا أن يرسموا صورة نمطية عن الرسول.

هجوم

كانت الهجمة على الإسلام، في وقت تأليف الكتاب، كبيرة ومستمرة، وهي المسألة التي يشير إليها المؤلف في أكثر من موضع في الكتاب، إذ يلفت المؤلف إلى الأسباب التي جعلته يقترب من عالم الإسلام ومن سيرة نبيه، وهو يقول: «أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى من يظن الظنون بالإسلام ومحمد وآن لنا أن نحارب ما يشاع عن مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة». كارليل يشير بكل وضوح إلى أن الكتاب هو بمثابة حرب من جانبه ضد كل المؤلفين والكتّاب الذين سعوا إلى رمي الإسلام ونبيه الكريم بالباطل، فهو يقول بصورة مباشرة وواضحة: «إني لأمقت كل من يرمي محمداً بمثل هذه الأكاذيب، وما كان لذي نظر صادق قط أن يرى في القرآن مثل ذلك الرأي الباطل»، ويضيف قائلاً، في معرض حديثه عن النبي الكريم: «لقد كان في فؤاد ذلك الرجل، العظيم النفس، المملوء رحمة وخيراً وحناناً وبراً وحكمة، أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه».

ولعل من أكثر الأشياء التي توقف عندها كارليل كثيراً في الكتاب هو أدب النبي الكريم وتحلّيه بالعزم والقوة في سبيل نشر أفكاره وسعيه الدؤوب في إخراج قومه من ظلمات الجهل إلى أنوار الإيمان. ويلفت الكتاب إلى العديد من السمات التي يتصف بها النبي الكريم ومنها الإخلاص وصدق النية وحب الخير، والزهد والتواضع، وصفاء جوهره، مشيراً إلى أن نبي الإسلام كان يتعمق في النظر إلى بواطن الأمور ولا يكتفي بظاهرها.

مولد حضارة

يؤكد الكتاب الدور الكبير الذي قام به النبي الكريم في محاربة الفقر والجهل والدعوة للعدالة والمساواة، كما يتناول فضل الإسلام ودوره في تغيير حياة العرب وصنع حضارة لهم. ويقول : «أخرج الله العرب بالإسلام من الظلمات إلى النور، وأحيا به من العرب أمة هامدة، فقد كانت فئة من جوّالة الأعراب، فقيرة، تجوب الفلاة، منذ بدء العالم، لا يُسمع لها صوت، ولا تحسُّ منها بحركة، فأرسل الله لهم نبيّاً، بكلمة من لدنه ورسالة من قِبله، فإذا الخمول قد استحال شهرة، والغموض نباهة، والضعة رفعة، وسّع نوره الأنحاء، وعمَّ ضوؤه الأرجاء».

ويتعمق المؤلف في التبحر في شخصية محمد، صلى الله عليه وسلم، ويرسم لها صورة زاهية بألوان المحبة، موضحاً أن النبي الكريم لم يعلمه بشر، ولم يقتبس من إنسان آخر، وأنه كان يتصف بصفات نادرة، فقد كان مضرب الأمثال في الأمانة والوفاء النادر والإخلاص.

ويتناول الكتاب كذلك بعض السمات التي جعلت من النبي الكريم شخصية عظيمة، فقد كان يؤثر الصمت في بعض المواقف لا تخرج من فيه كلمة إلا وهي تحمل الحكمة البليغة، ويشدد المؤلف على أن رسولنا كان رجلًا راسخ المبدأ، صارم العزم، بعيد الهمَّة، ومع ذلك كان لين الجانب، جمَّ البِشْر والطلاقة، يمازح أصحابه، ويؤكد الكتاب أن تلك الصفات هي من دلائل التواضع، فنبي الإسلام لم يكن متكبراً ولا خانعاً، بل زاهداً في مسكنه ومأكله ومشربه وسائر أحواله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"