عادي
زيدان يراهن على استعداد العرب للنهوض

التمدن فريضة إسلامية

22:02 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن
«تاريخ التمدن الإسلامي» كتاب مهم من خمسة أجزاء لجورجي زيدان، صدر لأول مرة في عام 1902، يمتاز بشموليته لملامح كثيرة من نماذج التحضر الإسلامي خلال القرون الوسطى، حيث درس المؤلف في عناوين لا حصر لها من تاريخ التطور الذي يمتد من مرحلة ما قبل الإسلام، زمن الجاهلية، وما بعده، مروراً بفترات ازدهار الإسلام وتعاقب دوله المتعددة في الشمال والجنوب والشرق والغرب.

في الجزء الأول من الكتاب ركّز المؤلف حديثه على تاريخ الجزيرة العربية.. نظمها الإدارية والسياسية والعسكرية والقضائية وغيرها، مبتدئاً بما أطلق عليه حكومة العرب في الجاهلية، وما يتصل بأهل قريش، أو عرب الحجاز. وعرج على الكعبة وملامح التجارة عند عرب مكة، حين كانت السدانة لقريش. ويقول: «كانت قريش أهل حضر، وتجارة، وكان من مقتضيات مصلحتهم تسهيل طرق قدوم الحجاج وترغيب الناس في الحج».

صفاء الذهن

يرجع زيدان النهضة غير المسبوقة التي جاءت مع الإسلام لاستعداد العرب للنهوض وأهليتهم للتمدن، لِما فطروا عليه من صفاء الذهن وسرعة الخاطر، كما ينتقل لكثير من تأثيرات الدين الإسلامي في تحضر العرب وصولاً إلى الدولة الأموية. ويقول: «كان لعبد الملك بن مروان ذكر حسن في تاريخ التمدن الإسلامي لأنه عمّم اللغة العربية في دواوين الممالك الإسلامية». وعدّد زيدان ملامح تمدن عربي كثيرة كضرب النقود بالعربية، ومن ثم تأسيس الوزارة أيام العباسيين، وفي الأندلس حيث زهت المدنية الإسلامية وظهر فيها الأدباء والشعراء على نحو ما كانت فيه أيام عبدالرحمن الناصر.

وينتقل زيدان ليستعرض ملامح التمدن العربي في الدولة الفاطمية واتساع حدودها، والدولة الأيوبية التي كانت ذات طابع حربي، أو عسكري، ويخلص إلى القول: «ظهرت من أول الإسلام إلى الآن، أزيد من 100 دولة وعدد رؤسائها نحو 1200 رئيس، فيهم الخلفاء والسلاطين والملوك والأمراء والأتابكة والإخشيدية والخديويون والشرفاء والبايات وغيرهم، ومن عواصمهم المدنية الكوفة ودمشق وبغداد والقاهرة والقيروان وقرطبة والأستانة وصنعاء وعمان وغيرها».

وخصص زيدان الجزء الثاني للحديث عن ثروة الدولة الإسلامية ورجالها، وأسباب تكوّن تلك الثروة وأسباب تدهورها، موضحاً أن هذه الثروة اختصت بالمدن، وتركزت لدى الفئات الحاكمة ومن ينتمي إليها من أهل الوجاهة والنفوذ، وختم بوصف أشهر المدن الإسلامية في مصر والشام والعراق والمغرب والأندلس، وما بلغته من الثروة والعمران.

واختص الجزء الثالث من الكتاب بمناقشة وبحث علوم العرب قبل الإسلام، وعلومهم بعده، مذكراً بما كان عندهم في الجاهلية من علوم وآداب، كالنجوم والأنواء، والميثولوجيا والكهانة والطب والشعر والخطابة والأدب والأنساب والتاريخ، وبحث في هذا الجزء مصادر تلك العلوم، وقسم العلوم العربية بعد الإسلام إلى ثلاثة أقسام: التي اقتضاها الإسلام وأسماها العلوم الإسلامية، والتي كانت في الجاهلية وارتقت في الإسلام وهي الآداب العربية، والتي نقلت من اللغات الأخرى وهي الدخيلة.

وقال: «إن ما سميناه علوم العرب قبل الإسلام يبلغ إلى بضعة عشر علماً، فلما جاء الإسلام، أهمل بعضها كالكهانة والعيافة والقيافة، وبقي بعضها عند أهله، ونشأ ما يقوم مقامه في عصر الحضارة، كالنجوم والأنواء ومهاب الرياح والطب والخيل، وارتقى الباقي واتسع عما كان في الجاهلية، كالشعر والخطابة والبلاغة وكان الإسلام مساعداً على ارتقائها بالقرآن الكريم».

وأوضح المؤلف أن حال العلوم في بعض نواحي المملكة الإسلامية لما عزم المسلمون على نقلها إلى العربية، كان أكثرها يونانية الأصل، وكان العراق خاصة، كما أكد، حافلاً بالعلماء، فلما أراد الخلفاء نقل تلك العلوم إلى لسانهم وجدوا بين ظهرانيهم من يلبي الطلب.

نكهة سياسية

في الجزء الرابع من الكتاب الذي كان بنكهة سياسية، قسم زيدان مبحثه إلى أقسام، تفرع عن كل قسم محاور، وأبرزها العصر العربي الأول، فدرس النظام السياسي في عصر الخلفاء الراشدين، ثم انتقل إلى نظيره في عهد بني أمية، ثم العصر العباسي، ومن ثم الدولة الفاطمية، والعصر المغولي أو التتري، وأخيراً انحلال الدولة الإسلامية.

وجال الجزء الخامس في عادات وآداب العرب، وما برز عندهم من عمران.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"