عادي

مطار كوني

22:30 مساء
قراءة 3 دقائق
3

أ.د. حميد مجول النعيمي *

يُعّد القمر الوحيد من بين الأجرام السماوية الذي هبط عليه الإنسان من خلال برنامج «أبوللو» الفضائي التابع لوكالة «ناسا» الأمريكية، وكان أول هبوط عام 1969 خلال رحلة «أبوللو 11» واستمر لعدد من المرات إلى عام 1972، وخلال هذه المدة بدأت الثورة التكنولوجية الفضائية الأرضية لاستكشاف الكون ومختلف أجرامه السماوية، فضلاً عن أن كثيراً من هذه التكنولوجيات استخدمت على سطح الأرض لفائدة البشرية في الطب والعلوم الصحية والهندسية ودراسة موارد الأرض الطبيعية بما في ذلك استكشاف أعماق البحار والتكنولوجيات الفضائية العسكرية والأمنية، ثم استمر التسارع التكنولوجي وتم ابتكار أجهزة ومعدات ووسائل تقنية مثل الهواتف النقالة ووسائل التواصل والاتصالات والمواصلات والنقل وغيرها التي نستعملها اليوم. وها نحن اليوم نجد الثورة التكنولوجية في تسارع منقطع النظير لدرجة أن كثيراً من دول العالم لا تستطيع اللحاق بها.

ينادي العلماء الآن بالعودة إلى القمر، ليس بهدف استكمال استكشافه فحسب، وإنما لجعله منصة إطلاق «مطار كوني» إلى الفضاء الخارجي وخاصة من على سطحه لغزو الكواكب الأخرى وبالأخص القريبة من الأرض.

ويفكر العلماء في بناء مستوطنات بشرية على سطحه عند القطبين أولاً، لأن هناك اعتقاداً الآن بوجود جليد ماء هناك في شقوق لم تصلها أشعة الشمس منذ مليارات السنين، وبطبيعة الحال سيكون العلماء المستوطنين الأوائل، وحين تستقر الأمور يتم إنشاء البنية التحتية، وستلحق بهم عائلاتهم وذووهم، وستصمم هذه المستوطنات لتصبح مكتفية ذاتياً بكل شيء (أي استيطان القمر واستخدام مادته لبناء محطات ومدن فضائية مدارية).

وبسبب انخفاض الجاذبية على سطح القمر (سدس جاذبية الأرض) ستزدهر صناعات يصعب تحقيقها على الأرض، ويتم نقل المصانع الذرية والنووية من الأرض إلى القمر، ويتم بناء مناجم لاستخراج المواد الأولية والمتوافرة لصناعة السيراميك والإسمنت لاستخدامها في مستوطنات الفضاء مستقبلاً أو حتى في الأرض.

واليوم بعد أكثر من 53 عاماً أعلنت مؤسسات الفضاء عن عزمها تنظيم رحلات تجارية مأهولة إلى القمر بحلول عام 2024 وبيع مقاعد للأفراد الأثرياء والشركات وغيرها، فضلاً عن استخدام سطح القمر مطار إطلاق إلى الكواكب القريبة.

سيقود هذه الجهود العلماء في وكالات الفضاء من خلال توظيف الصواريخ التجارية للنقل، وقد تكلف الرحلة إلى القمر عشرات الملايين من الدولارات إن لم يكن أكثر. ونحن نعلم أن العديد من وكالات الفضاء من ضمنها وكالة «ناسا». وحتى وكالة الفضاء الإماراتية تخطط لدراسة القمر مجدداً من خلال إنزال المستكشف الإماراتي الفضائي (راشد) على سطح القمر عام 2024، لاستكشاف سطحه ودراسة مواقع جديدة منه، بالإضافة إلى دراسة وتحليل الغبار وإجراء اختبارات لدراسة جوانب مختلفة من سطح القمر، بما في ذلك تربته، والخصائص الحرارية للهياكل السطحية، والغلاف الكهروضوئي القمري، وقياسات البلازما والإلكترونيات الضوئية وجزيئات الغبار الموجودة فوق الجزء المضيء من سطحه. طبعاً سيتنقل المستكشف الإماراتي في مواقع جديدة، ويقوم بالتقاط بيانات وصور، ومن ثم إرسالها إلى محطة التحكم الأرضية في مركز محمد بن راشد للفضاء، بالإضافة إلى اختبار أجهزة ومعدات تقنية تتم تجربتها للمرة الأولى، تتعلق بالروبوتات والاتصالات والتنقل والملاحة بهدف تحديد مدى كفاءة عملها في بيئة القمر القاسية.

كما أسلفنا، يُعد القمر منصةً مثاليةً لاختبار التقنيات والمعدات الجديدة التي سيتم استخدامها مستقبلاً في بعثات استكشاف الفضاء الخارجي، مثل اختبار تعرض أجهزة الاستشعار وغيرها من التقنيات لبيئة الفضاء لفترات طويلة. سوف يختبر المستكشف تقنيات جديدة على سطح القمر كونه الأقرب إلى الأرض، مما سيساعد على اختبار قدرات الإمارات قبل الانطلاق في مهمات استكشافية مأهولة إلى المريخ.

يعتمد المستكشف على ألواح الطاقة الشمسية، وسيضم 4 كاميرات تتحرك عمودياً وأفقياً، إضافة إلى أجهزة استشعار وأنظمة مجهزة لتحليل خصائص التربة والغبار والنشاطات الإشعاعية والكهربائية على سطح القمر، كما سيتضمن نظاماً لتعزيز كفاءة التصاق عجلات المستكشف بسطح القمر، وتسهيل عملية تخطي الحواجز الطبيعية، وهيكلاً متيناً لحماية الأجهزة والمحركات من تغير درجات الحرارة. وبالتأكيد ستساعد هذه الدراسات على دراسة كواكب أخرى ومنها المريخ والزهرة وبعض الكويكبات فضلاً عن تعزيز التقدم والتسارع التكنولوجي لفائدة الإنسانية.

وبناءً على ما سبق فإن القمر يستحق قسم الله العظيم به.

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"