شهر القيام

00:00 صباحا
قراءة دقيقتين
3

د. سالم بن ارحمه الشويهي

رمضان شهر صلاة التراويح؛ فإنها لا تُصلَّى جماعة إلا في رمضان؛ لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ؛ فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ، أي: امتلأ حتى ضاق، الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَفِقَ، أي: جعل، رِجَالٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ تَشَهَّدَ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمْ اللَّيْلَةَ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا. وذلك في رمضان.

وصلاة التراويح: هِيَ قِيَامُ رَمَضَانَ أول الليل، وسميت بذلك؛ لأنهم كانوا يستريحون بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ ركَعَاتٍ، وفي الموطأ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ. يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَانِي لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنِ الَّتِي تَقُومُونَ. يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ.

كان الصحابة يجتهدون في رمضان ويكون لهم في العشر الأواخر اجتهاداً عظيماً؛ اقتداء بالنبي، صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أي: العشر الأواخر من رمضان، أَحْيَا اللَّيْلَ، أي: استغرقه بالسهر في الصلاة، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، أي: أيقظهم للصلاة في الليل، وَجَدَّ أي: جد في العبادة زيادة على العادة، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ. أي: شمَّر واجتهد في العبادات، وقيل: كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات.

وقيام الليل مدرسة الإيمان والتقوى، ومنبع التزكية والتطهير، به تحيا القلوب وتزداد إشراقاً، وبه تسمو النفوس وتمتلئ أشواقاً، فيه تذرف العيون دموع الخشية والندامة، وتلهج الألسن بدعوات التضرع والإنابة، وتتمرغ الجباه في سجود الذل والاستكانة.

قال أحد السلف: «عجبت لمن له حاجة عند ربه كَيْفَ يَغْفُلُ عَنْ قيام الليل».

ومن فضل الله تعالى علينا أن من صلى التراويح كاملة مع إمامه حتى ينصرف، وإن كانت ركعات يسيرة، لدقائق معدودة؛ ينال أجر قيام الليل كله قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ».

وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

 [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"