عاطفة وطنية في الخيار الصعب

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

هل للشعوب الواعية عاطفة عاقلة إزاء أوطانها؟ ما الذي خرجت به جنابك من متابعتك سير الانتخابات الفرنسية، التي لم تخل ممّا يشبه عقدة المسرحية، أو بعض تشنج التشويق الهيتشكوكي؟ استطلاعات الرأي لم تسفر، ولو مرّة يتيمة، عن احتمال رجحان كفة مارين لوبان، ولكن عقلاء المجانين من المراقبين، يتركون دائماً هامشاً ولو ضئيلاً للمفاجأة. تكون حركة المرور عادية لا غبار عليها، فجأة تنحرف مركبة بسرعة هائلة فتقلب الأوضاع. هل كان أحد يتخيل القصة والسيناريو في الشريط الروسي الأوكراني؟ يبدو أن العالم لم ير بعد سوى حبّة من سنبلة من حقل.

مشكلة زعيمة الجبهة الوطنية، كامنة في لقبها «لوبان»، المعنى واضح: «لو ظهر»، «لو ثبت»، ولدى النحاة الخبر اليقين، يقولون عن «لو»: تفيد امتناع الجواب لامتناع الشرط. أي: لو بان للفرنسيين أن مرشحة اليمين المتطرف لن تُفقد فرنسا توازنها، لانتخبوها، إذ لم تكن تفصلها عن تجاوز الخمسين من المئة، بيد دونها بيد. لكن العاطفة العاقلة العامة، رجّحت كفّة ماكرون، على طريقة: «مكانك تحمدي أو تستريحي»، فالجبهة الوطنية من مجرد اسمها مخيفة. كلمة تجعل الموسوعة الذوقية الفرنسية تقشعر أبدانها، ترتعد فرائص العطور والأجبان والأزياء وأطايب الأطباق، من ثمار البحر إلى الحلويات، تفرّ اللوحات من إطاراتها في عشرات متاحف الفنون. الظروف الجيوسياسية أصلاً غير مساعدة على انتخاب «جبهة يمين متطرف». يتخيل الناخب أن مارين ستصنع لهم على هيئة ماريوبول وآزوفستال.

التداعيات مهمّة في التحليل الذي يؤدي إلى العاطفة الوطنية في الشدائد. يتخيّل الناخب أن مارين إذا دخلت على حصان أبيض إلى قصر الإيليزيه، فإن قطّة الأوضاع الأوروبية والدولية، ستوضع على سطح صفيح ساخن. لا حاجة إلى ذكاء خارق لإدراك أن الأجبان والسوائل النواسية الفرنسية لا تستطيع أن تشكل تحدّياً يحاكي الغاز الروسي. إذا قطعوا عنك الأجبان الفرنسية، فسيتشابه عليك بقر عشرين بلداً. ثم إن انقطاع الأجبان لا يقطع الكهرباء ولا يوقف المصانع. عنوان رواية محمد شكري، «الخبز الحافي» ظريف، كأنه استشراف. اليوم مئات الملايين يتحرّقون شوقاً إلى صاع حنطة، بينما أرضه بعيدة ودونها أهوال، فهو إمّا عند فلاديمير وإمّا عند فولوديمير.

لزوم ما يلزم: النتيجة العقلانية: هكذا كان في الإمكان أن تحدث المفاجأة، «لَوْ بانَ» للناخبين الفرنسيين عكس الاستدلالات المذكورة أعلاه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"