وريث الجمهورية الخامسة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

لم يكن فوز الرئيس إيمانويل ماكرون في انتخابات الرئاسة في فرنسا مفاجئاً بأي شكل من الأشكال، كما أن خسارة مرشحة اليمين، ماريان لوبان، كانت متوقعة بشكل كبير، على الرغم من النتيجة المتقاربة التي حققتها.
لقد كان فوز ماكرون متوقعاً لأنه يعكس حاجة الفرنسيين إلى الطمأنينة والأمان وسط حالة الاضطراب وعدم اليقين التي أوجدتها الحرب الأوكرانية، على وجه الخصوص. كانوا يحتاجون إلى رئيس يمثل لهم الاستقرار، واستمرارية نهج الجمهورية الخامسة المتحالفة مع أوروبا والتي أوجدها الرئيس السابق ديغول، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ولم يكونوا مستعدين للتغير أو الدخول في تجربة مغايرة إذا ما تسلّم التيار الشعبوي المتطرف سدة الحكم في مرحلة شديدة الاهتزاز والغموض.
 كانت أوروبا أيضاً بحاجة إلى استمرار نهج الجمهورية الخامسة الذي يعتبر ماكرون وريثها الشرعي، من بين مرشحي اليمين واليسار الآخرين. فقد كانت وحدة الاتحاد على المحك. وهذا ما يفسر التدخل غير المعتاد للقادة الأوروبيين في الانتخابات، ودعوتهم الناخبين الفرنسيين إلى التصويت لمصلحة ماكرون، ثم ترحيبهم وارتياحهم الشديد بعد إعلان نتائج انتخابات، أمس الأول الأحد.
وفي ظل أوضاع اعتيادية كان بإمكان الفرنسيين معاقبة ماكرون على مسائل عدة خلال فترة ولايته الأولى. ومن أبرزها أعمال القمع التي واجهت تظاهرات «السترات الصفراء»، والمعاملة المهينة التي واجهت المهاجرين، خاصة في معسكر كاليه الشهير. كان يمكن للناخبين معاقبته وإسقاطه على خلفية هذه القضايا ومسائل أخرى عدة. لكن الانتخابات لم تجر وسط الأجواء التقليدية المعتادة. وكانت الرياح المواتية والدعاية القوية المناهضة لتيار اليمين المتطرف تدفع أشرعة ماكرون في السباق المحتدم.
كما أن خطوات معينة في ولايته الأولى حسّنت صورته لدى الكثير من الناخبين، باعتباره زعيماً يحفر تاريخاً ممتداً للوجود الفرنسي حول العالم، ومن ذلك انتقاداته للتاريخ، ومبادرته الجريئة للتصالح مع ذاكرة حرب الجزائر، وإقراره بأن فرنسا تتحمل «مسؤولية كبيرة وجسيمة» في الإبادة الجماعية لأقلية التوتسي في رواندا عام 1994.
لقد كان المرشح ماكرون هو رجل المرحلة بالنسبة إلى أغالبية كبيرة من الناخبين الفرنسيين الذين يستبد بهم القلق إزاء التحولات الجارية في القارة، وفي العالم، بينما كانت لوبان تعكس السفينة الشاردة في عرض البحر. كما أن أوروبا لم تكن مستعدة لخسارة هذا الحليف في معركتها الجديدة، فقد ظل وريث الجمهورية الخامسة يركز نشاطه السياسي والدبلوماسي على مدى الأعوام الخمسة الماضية على تعزيز قوة أوروبا الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
وفي المقابل، فإنه من غير الممكن اعتبار خسارة لوبان نهاية حقبة سياسية لليمين المتطرف. لكنها قد تكون البداية الحقيقية لزحف التيار المتطرف إلى قمة السلطة. فقد شكلت لوبان خصماً صعباً، وتحدياً كبيراً. وكانت خسارتها لمفاتيح الإليزيه أقرب إلى أن تكون هزيمة بطعم الفوز. فقد ساند أكثر من 13 مليون ناخب فرنسي المرشحة العنيدة على الرغم من الدعايات المضادة هائلة التأثير، في مقابل أكثر من 18 مليون صوت لماكرون.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"