علماء النفس والأزمة مع روسيا

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

دور علماء النفس في تشخيص الأزمات السياسية، معروف في الدول الكبرى، خاصة في الغرب. وعادة ما يقدمون تشخيصاً نفسياً للحالة موضع الدراسة، سواء عن الأزمة في حد ذاتها، أو عن رئيس الدولة وطريقة تفكيره.
 وبما أن رؤيتهم تتسع لتناول العديد من الأزمات والمشاكل الدولية، فإن تمرسهم في هذا الميدان، يسهل من تطبيق نظرياتهم على الأزمة المستعصية الآن حول أوكرانيا. وما أفرزته من مواقف سياسية تنحو أحياناً نحو التطرف اللفظي، مثلما حدث من ردود أفعال عن تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي قال فيه عن الرئيس الروسي بوتين، إنه لا يجب أن يبقى في موقعه، وهو ما اختلفت عليه التفسيرات اللاحقة.
في تفسير للبروفسورة دبورا ويلش لارسون أستاذة علم النفس السياسي بجامعة كاليفورنيا، فإن الدول عادة ما تفشل في التعاون مع بعضها حتى ولو كان هذا التعاون يعد فرصة لصالحها والسبب أن صناع القرار السياسي، يرسمون استنتاجات غير صحيحة عن دوافع ونوايا الخصم الذي يواجهونه، وهذا شيء يدخل في دائرة علم النفس الاجتماعي.
 وتقول لارسون: إن انعدام الثقة في العلاقات الدولية يمكن تجاوزه، إذا كان صناع القرار السياسي يتمتعون بالحصافة والحذر، ما يجعل تقييمهم للطرف الآخر، موضوعياً، ومبنياً على حقائق وليس على استنتاجات متخيلة.
 من جانبه يتناول كل من البروفسور إى. غولد مان، وج. بيرنز، موضوع الفرص الضائعة، التي كان يمكن أن تقود إلى مناخ عالمي يسوده السلام، والهدوء، والتعاون المثمر، وأن يتحقق من خلاله الحد من سباق التسلح، وضبط عملية التنافس الاستراتيجي عالمياً. لكن ما حدث أن أطراف النزاعات فضلت عدم الاتفاق.
ويؤكد أنصار المدرسة الواقعية في أمريكا، أن أفضلية عدم الاتفاق بين الأطراف المتنافسة عالمياً، كان خضوعاً للتنافس على السيطرة على مناطق إقليمية، وعلى النفوذ المضاد لنفوذ القوة الأخرى في هذه المناطق، وأيضاً مرجعه إلى تضارب المصالح الوطنية. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى عدم الاستقرار، والفوضى، وهو أمر ليس في صالح الطرفين المتنافسين.
 وبالنسبة للولايات المتحدة فقد لا يعد عدم الاتفاق فرصاً ضائعة في كل الأحوال، فإذا نظرنا إلى دور المؤسسة الصناعية العسكرية، فسوف نجد أنها أحياناً ما تحول دون الاتفاق المتبادل مع الخصم، لأن مصالحها لا تتحقق من خلال مثل هذا الاتفاق، ومن حيث أن استمرار التوترات يخدمها في النهاية.
 علماء النفس على اختلافهم، اتفقوا على أن انعدام الثقة ليس مبعثها في كل الحالات، حسابات استراتيجية، لكنها نابعة من النظر إلى المخاطر المحتملة حتى ولو كانت غير مؤكدة. والتي يمكن للخصم أن ينتهز فرصة التعاون الثنائي، ليستخلص منها مكتسبات لنفسه، ولعل مرجع ذلك إلى ميراث قديم من خلال سنوات الصراع القديمة بينهما.
 ومن خلال تفسير علماء النفس فإنهم يعتبرون الثقة، مقياساً لإمكان اعتماد كل طرف على آخر في أوقات المخاطر، وحيث إن انعدام الثقة المتبادلة، يجعل الجميع أسرى لجنون الارتياب، وعدم القدرة على تحديد من هم الأصدقاء، بل وحتى الشك في إمكان الثقة في الأصدقاء.
وكان عالم النفس الاجتماعي تشارلز أوزجود قد اقترح في عام 1960، «استراتيجيته للتدرج في خفض التوتر»، وتقوم على مبادرات تصالحية متبادلة لخفض عدم الثقة، وتحويلها إلى حالة من اللانزاع، ولاحظ أوزجود أن الاتفاقات التي تمت عن طريق التفاوض بين واشنطن وموسكو أثناء الحرب الباردة، وبعضها تم في عهد الرئيس نيكسون، قد تطلبت في البداية التزاماً مسبقاً من الجانبين بالتهدئة والتفاوض والتوافق، حتى ولو كان ذلك قد تم في جو تقع في خلفيته، ذكريات عن عدم الثقة، ومخاوف من كليهما تجاه بعضهما البعض. وتم وقتئذ تقديم كل منهما بعض التنازلات للآخر، كجزء من سياسة هدفها خفض التوتر، وإن هذه التنازلات لقيت قبولاً داخلياً من الرأي العام، وخلقت ضغوطاً سياسية نحو المضي في هذا الطريق.
 إن انتهاء الحرب الباردة في عام 1989، قد شهد هبوطاً في الاستناد إلى مفهوم الأيديولوجية كمحرك للسياسة الخارجية، وليحل محله مفهوم المصالح والمنفعة، وذلك يتفق مع مصلحة شعبي الدولتين، أو لو كان عنصر الثقة المتبادلة قد تم تأكيده والحرص عليه، لكان من الممكن تجنب كثير من النزاعات التي ليست في مصلحة أي منهما في النهاية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"