عادي
هونكه تمتدح فكراً حراً يمجد العقل

نور العلوم الإسلامية يشرق على أوروبا

22:59 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

«إن الأبحاث التي حققها العرب في ميدان علم الهيئة والتنجيم تلبية لحاجاتهم اليومية، تطورت تطوراً كبيراً حتى أصبحت أسساً جديدة لعلم الفلك». هذا غيض من فيض ما كتبته المستشرقة الألمانية سيجريد هونكه (1913 – 1999) في معرض تقصيها عن الأثر الثقافي والحضاري للعرب على الإنسانية، وذلك من خلال كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب».

كثيرة هي المحطات التي تتوقف عندها هونكه في هذا الكتاب المهم، من دون أن تنسى أن الإرث الحضاري الإنساني شاركت في صنعه شعوب كثيرة جرمانية ورومانية وغيرها، لكنها في سياق تأكيدها على أسبقية العرب وتقدمهم في مجالات العلوم المختلفة، تريد أن تضع الأمور في نصابها الصحيح، فهي على سبيل المثال، توضح تحت أحد عناوين الكتاب «أوروبا الجائعة في ظل التجارة العالمية»، أن التجارة العالمية ولدت على ضفاف المتوسط، حيث البندقية، وجنوة، وحيث التجارة المزدهرة في القرن العاشر بين عرب وشمال إفريقيا من جهة، وبين كل من البندقية، وبالرمو من جهة أخرى، كان ذلك بعد انتشار الإسلام.

1

من المهم أن نذكر أن الكتاب الذي صدرت له طبعات عديدة عن دور نشر عربية مختلفة، هو من أشهر الكتب التي أنصفت ريادة العرب في ميادين العلوم والاختراعات البشرية، وعلقت عليه مئات الصحف والمجلات، حال نشر طبعته الأولى في 1964، بدليل أن نقاد أوروبا لم يهتموا بشيء ذلك العام، قدر اهتمامهم بهذا المؤلف الموسوعي والشامل، وهاجم عشرات من هؤلاء المؤلفة والكتاب معاً، واتهموها بالتعصب للعرب والتحيز لهم.

في الكتاب، ترى هونكه أن كل حضارات العالم بما فيها أوروبا وآسيا، ارتكزت في الأساس على ما قدمته الحضارة العربية والإسلامية من آثار علمية في شتى الميادين الإنسانية. والكتاب ينقسم إلى 7 أبواب ومحاور عدة: «رفاهية حياتنا اليومية»، «العالم والأرقام»، «السماء التي تظلنا»، «الأيدي الشافية»، «سلاح المعرفة»، «موحد الشرق والغرب»، و«عرب الأندلس».

تحت عنوان «أسماء عربية لحاجات غربية» تتحدث هونكه عن مئات الأسماء العربية التي حلت في اللغات الأوروبية، فتقول: «وكم أخذنا عنهم من حاجات وأشياء زينت نفوسنا بزخرفة محببة إلى النفوس وألقت أضواء باهرة على عالمنا الرتيب، الذي كان يوماً من الأيام كالحاً باهتاً، وزركشته بالتوابل الطيبة النكهة، وطيبته بالعبير العابق، وأحياناً اللون الساحر.. وزادته صحة وجمالاً وأناقة وروعة».

وأكثر من ذلك، فهي تؤكد أن نجاح التجارة الأوروبية إنما كان بفضل العرب، وأن كل رخاء سابق في بلاد الغرب نبت في سلال التوابل العربية، ونما معها.

تؤكد هونكه أن الفكر الإسلامي كان قائماً على الحرية، وأنه يمجد العقل، كما تلقي الضوء على العلاقات الإنسانية والحضارية بين شارلمان والعرب، وثمة إشارات في كتابها على التبادل الثقافي بين العرب والألمان.

أشادت هونكه في مجال العلوم بالطبيب العربي ابن سينا، أما الحسن بن الهيثم فتصفه بقولها: هو أحد أكثر معلمي العرب في بلاد الغرب أثراً وتأثيراً، وضع نظرية عن تحركات الكواكب في طبقات من الجو غير مرئية.

الأرقام

اهتمت هونكه بنشأة الأرقام العربية، وانتشارها في أوروبا، حيث لا يزال الألمان متأثرين بقراءة الأعداد من جهة اليمين، فهم يقرأون الآحاد قبل العشرات، كما أشارت إلى الخوارزمي معلم الأعداد والحسابات، ووصول كتبه إلى أوروبا وتعرف الأوروبيين إلى الأرقام العربية.

الكتاب هو ثمرة سنين بذلتها الباحثة في الدراسة المعمقة، وكتبت في مقدمة الطبعة الأولى للكتاب: «لم يكن من قبيل المصادفة أن أكتب أنا السيدة الألمانية هذا الكتاب، فالعرب والألمان لا تربطهم فقط أيام دولتهم القوية، التي انقسمت الآن، والتي بدأت صعودها من جديد بقوة وحيوية وعزم، إنما هي رابطة قوية من الفكر والثقافة، قد وثقت العرى بينهما، امتدت جذورها في أعماق التاريخ، واستمرت على مر القرون، ولا تزال إلى اليوم».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"