عياش يحياوي في النهار والليل

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

أقام عيّاش يحياوي في الإمارات أكثر من خمسة عشر عاماً بدأها أولاً في رأس الخيمة، حيث رأى وعاش التماثل التلقائي والطبيعي بين الجزائر وثنائية الصحراء والبحر في بلاده، وبين هذه الثنائية ذاتها في الإمارات، عاش في الإمارات أو عاشها بقلبه وروحه وعينيه، ومن يعش بهذه الوجدانية النظيفة لا بد أن يكتب بحب ونظافة أيضاً، فالتقط هذا الجزائري البدوي الصحراوي ابن أحد شهداء الجزائر.. التقط روح المكان الإماراتي المتماثل مع روح بلاده، وذهب مباشرة إلى - ثقافة المكان وتراثه وعلاماته وتحوّلاته، فوجد مادة ثقافية حيّة بين يديه، لا ينقصها سوى الخبرة في العمل الثقافي والتوثيقي والبحثي وهي معاً موجودة باكتمال عند شاعر إنساني أولاً وأخيراً في داخله باحث حرفي يجد إشباعه المهني في المادة التي يعاينها، ويراها، فيحوّلها من رؤيا إلى رؤية، ومن شفاهة إلى تدوين، ومن مكان إلى لغة.

كتب عياش يحياوي عن المكان الإماراتي، وإنسانه، ورمزياته الأدبية الشعرية والأنثروبولوجية. لقد جال أو تجوّل في موروث الإنسان والجغرافية في الإمارات في كتابه «سيرة مكان» =بيبلوغرافيا تراثية معلوماتية مصوّرة=، وقرأ الأبعاد التأويلية في شعر وحياة الماجدي بن ظاهر =الجذر الأول لشعراء الإمارات والمنطقة = وأنجز كتابات حرّة حول الثقافة والإنسان والمكان في الإمارات، وجاور عياش يحياوي خمسين مثقفاً من الإمارات بادئاً بطفولاتهم، وبيئاتهم النفسية والاجتماعية الأولى، وما يحملونه من صور وحكايات عن أوّل منزل ولد فيه الكاتب أو الكاتبة، وسمّى هذا الكتاب «أوّل منزل»، وبما أننا توقفنا نوعاً ما عند هذا الكتاب بالذّات، فإنني أنقل إلى القارئ الإماراتي والعربي كيف صنع عياش يحياوي هذا الكتاب، وباختصار، كيف كان يعمل،.. يقول يحياوي في مقدمة كتابه «أوّل منزل»: «تنقّلت بسيارتي مصحوباً بجهاز تسجيل صوتي وكاميرا فوتوغرافية إلى أماكن كثيرة، وعملت تحت المطر وتحت الشمس وتحت ضوء النهار وجناح الليل، وخصّصت إجازتين سنويتين للتفرّغ لهذا الكتاب، فقضيت بذلك وقتاً متعباً ولذيذاً في بيتي في الشارقة خلال فترة تفريغ الأشرطة الصوتية والدراسة وإسدال ستار المشروع..». ويقول في مكان آخر «.. حاورت 50 مثقفاً من الإمارات، ودخلت مع أكثرهم فرجانهم القديمة حيث بيوت الطفولة أو حيث أطلالها، أو حيث الأماكن التي كانت قائمة عليها، ولمست عن قرب مشاعر الحنين التي كانت تعتلج في أعماقهم وبريق عيونهم وهم يلمسون جدران بيت الطفولة أو شجرة اللوز التي تتوسط الحوش وحيدة..».

هكذا كان يعمل عياش يحياوي الصحفي الثقافي الميداني، تحت ضوء النهار وجناح الليل في المكان الإماراتي بصحرائه وجباله وقراه ومنازله الأولى. - لم يجلس طويلاً وراء مكتب مُكيّف، ولم يضع رأسه في رأس جوجل. صحفي ميدان يحب الصحراء والجبال - وتأليف الكتب، كما - تأليف الأصدقاء.

ميدانية عياش يحياوي وإخلاصه للمكان الذي عاش فيه وكتب من خلاله درساً مهنياً أخلاقياً نبيلاً يستعاد دائماً - في ضوء النهار وتحت جنح الليل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"