ثقافة اللوم

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

هل تتذكر المرة الأولى التي تعرضت فيها للوم من أحد ما نتيجة لفعل ما؟ كم كنت تبلغ من العمر وقتها؟.. وهل احمّر وجهك خجلاً، أم تنمرت على من يلومك؟ هل أنكرت فعلتك ومارست الكذب لكي تنجو من العقاب؟ أم اعترفت بغض النظر عن النتائج؟ أم قدمت لائحة من التبريرات التي تُخلي من خلالها مسؤوليتك وتُبرئ ساحتك؟ وإلى أي مدى كانت تبريراتك قوية؟ هل امتلكت شجاعة أن تعتذر أم وعدت بعدم تكرار الخطأ؟ وإلى أي مدى التزمت بوعدك؟ 

  اللوم أداة للضبط النفسي، هو فرصة الذات للتطهر من أخطائها، لقد فشلت بسبب كذا وكذا، لقد كانت الظروف أقوى مني، لم يحالفني الحظ .. القدر يعاندني .. الجميع تحالفوا ضدي.. في هذه الحالة تبحث الذات عن ألف مشجب ومشجب لكي تحصل على البراءة أمام نفسها، ولكنها غالباً ستستمر في تكرار أخطائها في الوقت نفسه، والتبرير جاهز والمشجب في متناول اليد.

  يحيطنا اللوم من جهاتنا كافة، يرافقنا في مراحل حياتنا المختلفة، ويحتل فضاء واسعاً لا يبدأ بلوم النفس ولا يتوقف عند ثقافات لا تجد عزاءها الخاص وراحتها النفسية وسلامها الداخلي إلا من خلال اللوم.

اللوم في الثقافة العربية المعاصرة، النخبوية، تحول إلى ممارسة شبه دائمة، فعلى مدار قرنين لم نمارس إلا اللوم ونحن نجيب عن سؤال: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟ وكيف أصبحنا في مؤخرة الأمم؟ وكانت هناك حزمة من الأسباب، المشاجب، الجاهزة دائماً تتعلق بالاستعمار.. الاستبداد.. الفقر.. تراجع مستويات التعليم.. سوء الإدارة.. المؤامرة وتربص الآخرين، وعندما اكتشفنا أنها لا تضع يدها بدقة على الجرح، فالأمم الأخرى التي شاركتنا الظروف نفسها استطاعت النهوض ومن ثم التقدم، توجهنا إلى جلد الذات، فالعربي وفق بعض الأدبيات يمتلك عقلية فريدة لا شبيه لها في العالم، والثقافة العربية مسكونة بالثبات ولا تعرف فكرة التحول.

 وإذا نظرنا إلى معالجات مسألة التقدم في علاقتها بإلقاء أسباب التخلف على مشاجب عدة، أو تحولها لاحقاً إلى جلد الذات، سنجد أن معظم المقولات التي طرحت في هذا السياق لم تجب عن سؤال «أين الخطأ؟»، حتى وإن ادعت أنها قدمت إجابات عدة، فقد ظلت إجابات برسم التنظير ولم يستجب لها الواقع.

 فعندما وضع مفكرونا مثلاً مسألة الحرية أساساً لأي تقدم لم يمارسوا تلك الحرية بين بعضهم بعضاً. وعندما انتقدوا غياب النظرة العلمية عن المجتمع لم يحللوا لماذا تغيب النظرة نفسها عن مئات الكتابات التي نطالعها يومياً في الصحف أو تصدر تباعاً في كتب، أي أن شرائح عدة من تلك النخب نفسها تفتقد إلى تلك النظرة. وعندما حللوا مسألة الثبات المميز لثقافتنا لم يتوجهوا إلى أنفسهم ليرصدوا ثبات أفكارهم نفسها والتي صاحبتهم طوال مشوارهم الفكري على الرغم من تغير الشروط كافة، ولم يبصروا تغيرات عميقة تجتاح مجتمعاتنا بفعل التكنولوجيا فائقة الحداثة.

  هل نخبتنا ملامة في عدم نقد نفسها بجرأة وشجاعة؟ ربما، ولكن الأهم أن نتعلم من أخطائنا لنخرج من دائرة اللوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"