عادي
«النور والفراشة» تجليات شعرية

القرآن طمأنينة غوته الدائمة

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
غوته

الشارقة: يوسف أبولوز
سردية الأدباء والمستشرقين، وحتى بعض السياسيين والمفكرين الغربيين، الذين أشرقت أرواحهم وكتاباتهم بنور وروح الإسلام سردية طويلة نعود إليها دائماً، نحن العرب والمسلمين حين نريد تأكيد إنسانية وعالمية ديننا الإسلامي الاعتدالي. والأمر برمته لا يحتاج إلى تأكيد إلا أن ظاهرة تأثر الكثير من المثقفين والكتّاب الغربيين أو الأوروبيين بالإسلام وقيمه وأخلاقياته، تعود في الواقع إلى تأكيد أمر آخر قليلاً ما ننتبه إليه، وهو ما يكتشفه «الآخر» في الدين الإسلامي من ثقافة روحية.

سردية «الدفاع عن الإسلام»، لو جازت العبارة، طويلة ومعروفة في ثقافتنا العربية إن على مستوى الأدباء، أو على مستوى المستشرقين ذوي الأثر الأكثر خطورة في الغرب، ومن هؤلاء المستشرقين ممّن رأوا في الإسلام صورة مغايرة للصورة السلبية النمطية في الغرب: المستشرق الإنجليزي: الكولونيل بودلي، والمستشرق الإنجليزي أيضاً روبرت سميث، والفرنسي كرادي فو، والإسباني إريك بنتام وغيرهم كثر.

شخصياً، أنجذب، كما الكثير، إلى رؤية الأدباء الغربيين، وبالذات الشعراء للإسلام، ولعلّ «الشعرية الغربية» الأبرز التي أشرقت بالإسلام هي خطاب الشاعر الألماني يوهان غوته (1749-1832)، وتحديداً في ديوانه الرائع الذي صدر في 2009 عن الهيئة المصرية للكتاب بعنوان شبه صوفي وهو «النور والفراشة» قدّمه إلى العربية د. عبد الغفار مكاوي. والديوان هذا يطلق عليه الديوان الشرقي، وتتضمن نصوصه إشارات كثيرة ذات صلة ثقافية وروحية بالإسلام، لا بل سنلاحظ أثراً للخط العربي والنقوش والتمائم في هذا الديوان لغوته، فهو يقول في حوارية زليخة و«حاتم»: «قل لي/ لقد نظمت قصائد كثيرة/ وأرسلت أغانيك هنا وهناك/ وكتبت بخط يدك الجميل كتباً ساحرة الزينة/ فاخرة التجليد/ مذهّبة الحوافي/ لم ينقص منها النقطة والشَّرْطة».

كأن غوته يكتب في إحدى دور الورّاقين العرب، البارعين في التجليد وتذهيب حوافي الكتب، لكن، في داخل هذا النص المقتضب تلمع روح صوفية. وعلى أية حال، ففي الديوان الشرقي يظهر شغف غوته بالمتصوّف المعروف الشاعر حافظ شيرازي: يقول: لقد سمّوك يا حافظ.. المقدّس/ باللسان الصوفي/ ولم يفهم فقهاء الألفاظ (هؤلاء) قيمة كلماتك/.. إنهم ينعتونك بالصوّفي/ لأنهم يتصوّرون (ألوان) الحمق في شعرك/ وهم يلهجون باسمك/ لكنك صوفي خالص/ لمجرد أنهم لا يفهمونك/ أنت أيها (المؤمن) المبارك، بغير أن تكون (ورعاً) تقياً». ثم يقول إن الكلمة مروحة، وسوف يبدو الديوان الشرقي، بالفعل، مروحة كلمات مشدودة إلى روح الإسلام بشكل خاص. وهو في أحد نصوص الديوان الشرقي يقول بكل صفاء أو بكل وضوح: «أيها القرآن الكريم، أيتها الطمأنينة الخالدة».

قصص

قصة سليمان والهدهد وبلقيس ملكة سبأ معروفة في القرآن الكريم، وهنا في الديوان الشرقي أثر واضح للنص الديني القرآني يقوم على هذه القصة «قلت له/ يا هدهد/ الحق أنك طائر جميل/ أسرع لتعلن للحبيبة التي أحبها حباً أبدياً/ لقد سبق لك أيضاً القيام بدور رسول الغرام بين سليمان الحكيم وملكة سبأ».

ثنائية العسر واليسر موجودة أيضاً في الثقافة الدينية الإسلامية، وفي القرآن، وشكر الله ثابتة روحية في الإسلام، وسوف يستلهم غوته هذه الثنائيات، وغيرها الكثير في الديوان الشرقي «في التنفس نعمتان/ نعمة الشهيق/ ونعمة الزفير/ تلك تضيّق الصدر/ وهذه تنعشه.. فما أعجب المزيج (الذي تتألف منه الحياة).. اشكر ربك في الضرّاء (وعند العسر)، واشكر ربك في السرّاء (عند اليُسْر)».

- إذا حُيّيتم بتحية، فردوا عليها بأحسن منها، بهذا المعنى توصينا أخلاق الإسلام، وغوته يقول: «فلتحسن ردّ التحية من إنسان مجهول»، ولكن الأثر الواضح في الديوان الشرقي سيقوم أيضاً على نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب، وهو، كرّم الله وجهه، له مقولة معروفة: «المرء مخبوء تحت لسانه» يأخذها غوته بالحرف في النص التالي: «من لزم الصمت قَلّت همومه/ يبقى المرء مخبوءاً تحت لسانه».

الحكمة التي هي ظاهرة أدبية أخلاقية في النصّ الديني الإسلامي هي بالذات أحد أعمدة الديوان الشرقي. يقول غوته: «إذا أردت حياة بغير همّ وفكر/ فاجعل خليليك دوماً/ ماءً وديوان شعر».

رؤية غوته للإسلام في الديوان الشرقي تشمل أيضاً الأدبين العربي والفارسي، ويظل في الأخير ديواناً ألمانياً شئنا أم أبينا، لكن بروح إسلامية شرقية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"