الدراما على جبهة القتال

00:00 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هو دور الدراما الأساسي؟ في السنوات الماضية، مرت الدراما العربية بمرحلة «الغيبوبة المتعمدة»، فكانت كل قضاياها تصب في اتجاهات اجتماعية معظمها يدور في دوامة الفقر والقهر والمال والبنون والصراع بين الخير والشر، ثم ظهرت نغمة البلطجة والمخدرات والغرام والانتقام.. وكأن المطلوب منها كان تناول أي شيء ما عدا القضايا السياسية والفتنة الطائفية والإرهاب. 
في السنوات الثلاث الأخيرة، اختلف الوضع تماماً، عرفت السلطة أن الدراما أداة أساسية في معركتها ضد الإرهاب وفي حملاتها لتوعية الناس وإظهار الحقائق، فأعادت للمسلسلات هيبتها، ألبستها زي القتال للتصدي لكل التنظيمات الإرهابية وتعريتها أمام الناس، وأعادت للفن قيمته باعتباره السلاح الواعي الذي يأخذ بيد الناس ليفهموا كواليس المطبخ السياسي، ويتوغل داخل أوكار الإرهابيين ومن يقفون خلفهم، يزيل الأقنعة ويقطع عليهم الطريق كي لا يستمروا في التلاعب بعقول الناس الجاهلين لما يخطط له هؤلاء، خصوصاً أنهم يمكرون ويظهرون غير ما يبطنون. 
هذا الموسم الرمضاني هو الأكثر ثراء بهذه النوعية من الدراما، «الاختيار3»، «العائدون» و«بطلوع الروح»، لا يهم العدد بقدر ما يهمنا المضمون القوي والأوراق التي يكشفها كل مسلسل، لاسيما «الاختيار» الذي يعرض الحقائق كاملة بالأسماء والتواريخ ويذهب بعيداً هذه المرة كي يخرس ألسنة المشككين والكاذبين من الإخوان والمنحازين لهم، من خلال تقديم مقاطع فيديو مصورة للرئيس السابق محمد مرسي وقيادات جماعة الإخوان وما دار في جلساتهم من أحاديث ومعلومات تدينهم وتؤكد تورطهم في كل الفوضى والفتنة التي حصلت في مصر. 
«بطلوع الروح» أيضاً قائم على قصة حقيقية ولا يفتعل أحداثه بهدف المبالغة الدرامية، حكاية استدراج الشباب التائه والدخول إليه عبر استغلال نقاط ضعفه لإقناعه بالالتحاق بداعش في «أرض الخلافة»، ويوهمونه بأنه سيصبح أقرب إلى الله، وسيصير لحياته معنى، خصوصاً «إذا حمل السلاح للدفاع عن الإسلام وقتل الكفار» والمقصود بالكفار كل من لا ينتمون لداعش!. 
الدراما على جبهة الحرب ضد الإرهاب، تتصدى، تأخذ بيد الناس لتزيل الغشاوة عن العيون، تضيء نوراً وتقول كلمات حق تترك أثراً طيباً في كل من يشاهدها اليوم، ومن سيشاهدها غداً وفي المستقبل؛ هذه الأعمال ستبقى شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ المنطقة، وستبقى رسالة موجهة إلى كل المسؤولين وكل صناع الدراما، بأن الفن ليس للتسلية والترفيه فقط، بل دوره الأكبر تغذية الروح والعقل بأفكار غير مسمومة، بهوية العدو الحقيقي ومن هو الإرهابي وكيف يتسلل ويمكر ويخادع؛ الفن جبهة دفاع، المهم أن يجيد المسؤولون منحه المساحة والقيمة التي يستحقها كي يدافع وفي ذات الوقت يبني عقولاً مستنيرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"