عادي
الرسول والآخر

ذوو الإعاقة أولاً.. ولو كانوا فقراء

00:15 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

اقتضت حكمة الخالق، سبحانه وتعالى، أن يكون الناس مختلفين؛ فمنهم الأبيض والأسود، والغني والفقير، والقوي والضعيف، ومنهم الصحيح المُعافَى والمريض، وجعل، عزَّ وجلَّ، الأفضلية بينهم جميعاً التقوى والعمل الصالح، كما قال تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (الحجرات: 13) وكما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ، إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدم، وآدمُ من تراب».

وإذا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت «اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة» في عام 2006، والتي تنص في مادتها الأولى على أن «الغرض من هذه الاتفاقية هو تعزيز وحماية وكفالة تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعاً كاملاً على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة»، ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في 2008، وفي 2012 صوَّت مجلس الشيوخ الأمريكي للتصديق عليها، فإن رسول الإنسانية الأعظم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، سبق العالم كله بأكثر من ألف وأربعمئة عام، إلى حفظ حقوق ذوي الإعاقة، وأمر بحسن معاملتهم؛ لأنهم جزء من هذا المجتمع، وأن ما أصابهم ما هو إلا ابتلاء من خالقهم سبحانه وتعالى، وسيجزيهم عنه خير الجزاء.

قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يُصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة الذين يحفظونه أن اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير على ما كان يعمل ما دام محبوساً في وثاقي». وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله قال: «ما من عبد يبتليه الله عز وجل، ببلاء في جسده إلا قال الله عز وجل للملك: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله، فإن شفاه الله غسله وطهره، وإن قبضه غفر له ورحمه». وقال، صلى الله عليه وسلم: «ما من مُسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، وحطت عنه ذنوبه، كما تحط الشجرة ورقها»، وفي حديث آخر: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وَصَب، ولا هَمٍّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غَمٍّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه». وقال أيضاً: «إن الله قال: إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيْه فصبر عوضته منهما الجنة».

ويؤكد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، إن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلى على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة».

وعاتب الخالق، سبحانه وتعالى، رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم، في رجل أعمى، وسجَّلتْ قصته سورة «عبس»؛ حيث جاء في أسباب نزولها ما روته السيدة عائشة، رضي الله عنها، قالت: «أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله رجال من عظماء المشركين، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يعرض عنه ويقبل على الآخرين، ففي هذا نزلت عبس وتولى. ثم كان الرسول يقول له بعد ذلك: «مرحباً بمن عاتبني فيه ربي»، وفي هذا إشارة واضحة إلى تقديم حاجة المُعاق، وإن كان فقيراً مُعدَماً، على غيره من الأصحاء، وإن كانوا من أصحاب الوجاهة والمناصب.

ووردت في كتب السيرة النبوية، والحديث الشريف، مواقف كثيرة تدل على مدى حرص رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على ضرورة مراعاة ذوي الاحتياجات الخاصة، والتعامل معهم، وكذلك أجرهم على صبرهم على البلاء والإعاقة، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فقال: «يا أُمَّ فلان، انظري أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حتى أقضيَ لك حاجتك»، فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها.

وعن السيدة عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: سمعت رسول الله يقول: «إن الله عز وجل أوحى إليّ أنه من سلك مسلكاً في طلب العلم، سهلت له طريق الجنة، ومن سَلبتُ كريمتيْه (يعني: عينيْه) أثَبْته عليهما الجنة». وكان، صلى الله عليه وسلم، يقول لعمرو بن الجموح رضي الله عنه، وكان أعرج: «كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة».

لم يقتصر أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع أصحاب الاحتياجات الخاصة، أو المُعاقين، على حسن معاملتهم، أو تبشيرهم بما أعد الله لهم من حسن الجزاء، وإنما كان حريصاً على زيارتهم، وإدخال السرور على نفوسهم، فهذا عِتْبَان بن مالك، رضي الله عنه، وكان كفيفاً من الأنصار، يقول للنبي، صلى الله عليه وسلم، وددتُ يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مُصلى. فوعده، صلى الله عليه وسلم، بزيارة وصلاة في بيته قائلاً: سأفعل إن شاء اللَّه. قال عتبان: فغدا رسول الله وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله، فأذنتُ له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: أين تحب أن أصلي في بيتك؟، فأشرتُ له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله فكبَّر فقمنا، فصفنا، فصلى ركعتين، ثم سلم.

وعلى نهج القرآن الكريم، سار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في تعامله مع ذوي الاحتياجات الخاصة، فيما يخص التخفيف عنهم في العبادات، حيث يقول الله تعالى: «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيما» (الفتح: 17).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"