عادي

عذب الكلام

23:22 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

من فُنون البَلاغَةِ الجَمْعُ معَ التقسيم، وهو أنْ يفصّل الناظمُ في صفاتِ الممدوح، ثُمّ يجمعُها، كقولِ حَسّانَ بنِ ثابت:

قَوْمٌ إذا حاربوا ضَرّوا عَدوَّهُمُ

أوْ حاولوا النَّفْعَ في أَشياعِهِمْ نَفعوا

سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ

إنَّ الخَلائقَ فاعْلَمْ شَرُّها البِدَعُ

فقسّم صفاتِهم، وفصّلها، ثمّ قالَ إنها «سجيّةٌ». وقدْ يَسبقُ الجَمْعُ التّقسيمَ، كقولِ المَقرّي:

حَوىَ الفَضائلَ فالعَليا لِهِمَّتِه والحُسْنُ لِلْوَجْهِ والإحسانُ للشِّيَمِ

دُرر النّظم والنّثر

من «مجالس الأدباء»

في العَدْلِ والإحْسان: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والْإِحْسَانِ، فَبَادَرْ إلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ أَيُّهَا الْإِنْسَان، وانْشُرْ أعْلَام الْإِنْصَاف، واتّصَف بِمَحَاسِن الْأَوْصَاف، وارْفَقْ بِالرَّعِيَّة، وأَكْثَرَ مِنْ الْبِرِّ إلَى الْبَرِّيَّة، واَبْسَطْ رِدَاءَ المَعْدلة، وساوِ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي الْمَنْزِلَةِ، وَاسْمَحْ بِجَبْرك وخَيْرك، ولَا تظْلَمِ النَّاسَ لِغَيْرِك.

واعْلَمْ أَنَّ الْعَدْلَ حَارِسُ الْمُلْك، ومُدَبَّر فَلَك الْفُلْك، وغَيْثُ الْبِلَاد، وغَوْثُ الْعِبَاد، وخِصْبُ الزَّمَان، ومَظِنَّة الْأَمَان. وكَبْتُ الْحَاسِد، وصَلَاحُ الْفَاسِد، وَمَلْجَأ الْحَائِر ومُرْشدُ السَّائِر، وَنَاصِرُ الْمَظْلُوم ومُجيب السَّائِل وَالْمَحْرُوم. بِه تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب، وَتَنْجَلِي غَيَاهِب الْكُرُوب، وَيُرْغِم أَنْفِ الشَّيْطَانِ، وَتَرْتَفِع بِهِ قَوَاعِدُ السُّلْطَان. عَلَيْهِ مَدَارُ السِّيَاسَة، وَهُوَ مُغْنٍ عَنْ النّجْدَة والحماسة:

عَنِ الْعَدْلِ لَا تَعْدِلُ وَكُنْ متيقظاً

وحُكْمُك بَيْنَ النَّاسِ فليك بِالْقِسْط

وبالرِّفْق عَامِلْهُم وَأَحْسِنُ إلَيْهِمُ

ولَا تُبدلنْ وَجْهَ الرِّضَا مِنْك بِالسُّخْطِ

وحَلّ بَدْرَ الْحَقّ جيدَ نظامِهِم

وَرَاقِبْ إِلَهَ الْخَلْقِ فِي الْحِلِّ وَالرَّبْطِ

وإِيَّاك وَالظُّلْمَ فَإِنَّهُ ظُلْمَة، وَدَاعٍ إلَى تَغْيِيرِ النِّعْمَة وَتَعْجِيل النِّقْمَة. يَقْرّب الْمِحَنْ وَيُسَبِّب الإِحَنْ، وَيُخْلي الدِّيَار، وَيَمْحَق الْأَعْمَار، وَيُعْفِي الْآثَار، وَيُوجِب الْمَثْوَى فِي النَّارِ، وَيَنْقُص الْعَدَد، وَيُسَرِّعُ يُتْم الْوَلَد، وَيُذْهِبُ الْمَال، وَيُتْعِب الْبَال.

من أسرار العربية

درجَ العربُ على تسميةِ بعض المتضادّاتِ باسمٍ واحدٍ، كقولهم: الجَوْنُ: للأبيض والأسْوَد. والصَّريم: للَّيل والصُّبح. والخَيلولة: للشَّكِّ واليَقين. قال أبو ذؤيب:

فَبَقيتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ ناصِبٍ

وَإِخالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَع

أي وأتيَقَّن.

والنَّدُّ: المِثلُ والضِّدُّ. والزَّوج: الذَّكر والأنثى. والقانِعُ: السَّائل والذي لا يسأل. والنَّاهل: العَطْشان والرَّيان.

وثمّةَ اسمٌ واحدٌ لأشياءَ مختلفةٍ، من ذلك: العَيْن؛ عَيْنُ الشّمْس، وعَيْنُ الماءِ، والنَّقدُ من الدَّراهم. والسَّحابةُ من قِبَلِ القِبْلة. والدَّيدَبان، والجاسوس، والرَّقيب.

هفوة وتصويب

يقولُ بعضهم «انْسَحبَ فُلانٌ من المَكان»، وهي خطأ والصّوابُ «خرج» لأنّ سَحَبَه يَسْحَبُه سَحْباً، فانْسَحَبَ: جَرَّه فانْجَرَّ. والرّيحُ تَسْحَبُ التُّراب.

والسَّحابَةُ: الغَيْمُ.

ويقولُ آخرون: «وقدْ عاشتِ الأُسْرَةُ في رَفاهِيَّةٍ» (بِتَشْديدِ الياءِ)، وهي خطأ، والصّوابُ: «في رَفاهِيَةٍ (بِتَخْفيفِها) أو رَفَاهَةٍ، أو رُفَهْنِيةٍ». وتعني: رَغَدَ الخِصْبِ ولينَ العَيْش.

يقولون «إنّهُمْ في مَوقِفٍ خَطيرٍ»، ويقصدون أنه مُخيفٌ أو يُنذِرُ بالشّرِّ. وفي صَحيحِ اللّغةِ: الخَطَرُ: ارتفاعُ القَدْرِ، والمالِ والشّرفِ والمَنزلةِ. ورجلٌ خَطِيرٌ: أَيْ لهُ قَدْرٌ وخَطَرٌ. وقد خَطُرَ (بالضّمَ)، خُطُورَةً. والخَطِيرُ منْ كلّ شيءٍ: النَّبِيلُ. ويقالُ للشريفِ: هُو عَظيمُ الخَطَرِ.

والخَطِيرُ: النَّظِيرُ. والخَطَرُ: الإِشْرافُ على هَلَكَة. وخاطَرَ بنفسه يُخاطِرُ: أَشْفَى بها على خَطَرِ. والصّوابُ هنا القول «إنَّهمْ في مَوقفٍ يُنْذِزُ بالخَطَرِ».

من حكم العرب

ومَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ

يَكُنْ حَمْدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ

ومَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُوّاً صَدِيقَهُ

ومَنْ لَمْ يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لَم يُكَرَّمِ

البيتان لزُهيْر بن أبي سلمى، يؤكدُ فيهما أنّ باذلَ المَعروفِ، عليهِ أن يعطيهِ لمَن يستحقه، لأنّ بذلَه في غيْر أهْله لا يَعقبه إلّا الذّمُ والنّدمُ. والغريبُ قد يغترُّ بالناس فيظنّ أعداءهُ أصدقاءَ، ومنْ أذلّ نَفسه، أتاح لغيره أن يُذلّه ويستصغرَ شأنَه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"