روح إيجابية في المنطقة

00:25 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

هناك أكثر من مؤشر يؤكد أن منطقتنا تدخل عهداً مختلفاً عما ألفته في السابق، حين سادتها الخلافات واستفحلت فيها الصراعات وتجاذبتها التدخلات الخارجية، وكادت، في أكثر من مناسبة، أن تعصف بمصير الجميع. أما اليوم فقد بدأ وعي جديد يتشكل ويدفع باتجاه انفراجة حقيقية واسعة في العلاقات بين كل دول المنطقة، بما يضمن مستقبلاً أفضل لأجيالها، ويعود عليها بالرخاء والازدهار.
زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية بعد أسابيع من زيارته الإمارات، تؤكد هذا التوجه المتفائل الذي يسود المنطقة التي وصلت إلى نقطة حاسمة يجب أن تقرر فيها كيفية التعايش والتأقلم مع كل ما تفرزه الظروف والتطورات. وفي طريقه إلى أنقرة عائداً من الرياض، اعتبر أردوغان الظرف الإقليمي «مرحلة كسب أصدقاء وليس خلق أعداء»، وقد يتعزز هذا التوجه قريباً بنتائج إيجابية لجولات الحوار بين السعودية وإيران المنعقدة بالعراق على وقع نبرة متفائلة بأن تقود هذه الجولات التفاوضية الواعدة إلى استئناف التمثيل الدبلوماسي بين الرياض وطهران.
منطقتنا، التي كانت منذ فجر التاريخ مسرحاً لصراعات عميقة الأبعاد وحاسمة في استقرار العالم، لا بد أن تعكف دولها الآن على حل مشاكلها بالحوار والتواصل البناء بما يعزز الثقة ويحقق الاستقرار والازدهار المشترك. وهذه الأهداف النبيلة لن تكون عزيزة على شعوب هذه المنطقة نظراً لما تتوفر عليه من مقومات وموارد للنهوض، وميراث في التواصل والتعايش والتعاون يعود إلى آلاف السنين. لقد نجح الأسلاف في فترات عديدة في تجاوز التباينات القائمة، وأعطوا التعايش مكانه، وبفضل ذلك نشأت حضارة مشتركة تحت راية الإسلام جمعت العرب والأتراك والفرس، وهذه الأمم مازالت على ذات المعتقدات والأفكار، وأمامها فرصة سانحة لتستعيد كل ما كان مشتركاً ومضيئاً، فذلك الذي يدوم ويمكن البناء عليه في المستقبل.
لجميع دول المنطقة مصالح مباشرة في تحقيق تفاهمات قادرة على حل الأزمات العالقة، وإذا كانت مؤشرات التفاؤل بمرحلة إقليمية عديدة، تعتبر الهدنة الإنسانية في اليمن واحدة من البشائر التي يمكن لنجاحها أن يغير الكثير في المنطقة. وإذا كان حل هذه الأزمة المستعصية يقوم في الأساس على ضرورة التفاهم بين اليمنيين أنفسهم، فإن التهدئة الإقليمية ستشجع وتقرب ساعة الفرج، وتوفر عوامل إضافية لطي صفحة الحرب وإرساء السلام.
أمام التغيرات العالمية المتسارعة بعد جائحة «كورونا» والأزمة المتفاعلة في أوكرانيا، ليس أمام دول منطقتنا غير إعادة ترتيب أولوياتها وبناء الاستراتيجيات الكفيلة بالحفاظ على مصالحها ودعم التعاون في ما بينها، إيماناً منها بأن المصير المشترك يتطلب سياسات جريئة ومقاربات تبتعد عن الرتابة والمحاكاة. وما يصدر من تصريحات ومواقف من عواصم المنطقة يؤكد هذا التوجه، الذي كانت دولة الإمارات سباقة في التنويه إليه، من خلال التشجيع على بناء الثقة ومد جسور التعاون والتمسك بقيم التعايش والأخوة والصداقة وحسن الجوار. وهذه القيم الإيجابية ستغير وجه المنطقة وستمنح شعوبها فرصة حقيقية لبدء حقبة جديدة تنعم فيها بالاستقرار والازدهار بعيداً عن الصراعات والأوضاع المأزومة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"