العيد والتعافي

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

مرّت علينا، خلال العامين الماضيين، بضعة أعياد، ثلاثة أو أربعة، حرمنا فيها من مذاق العيد الذي ألفناه، بسبب الأجواء الصعبة التي أشاعتها جائحة «كورونا»، التي حرمت الناس من متع كثيرة في الحياة، وسلبت منهم طقوساً جميلة يحبونها في العيد، ومنها التجمعات العائلية الواسعة، التي انقطعت، أو تقلصت إلى حدٍ كبير،. ونحن نعلم ما لهذه التجمعات، خاصة في مناسبات مثل الأعياد، من مغزى نفسي وعاطفي، لكونها فرصة للتعبير عن قوة الوشائج التي تشدّنا إلى من نحب من أهل وأحبة، فإذا بالناس يجدون أنفسهم مُكرهين على تفادي تلك التجمعات حفاظاً على لا على سلامتهم وحدهم، وإنما، وربما قبل ذلك، على سلامة من يحبون، خاصة كبار السن منهم، كالوالدين والإخوان والأخوات الأكبر سناً.
نحمد الله أن عيد الفطر السعيد هذا العام، والذي يحل علينا اليوم، يأتي في ظروف مختلفة إلى حدٍ بعيد عن تلك التي شاعت في العامين الماضيين، فمع أن العالم لم يقهر«كورونا» بصورة نهائية، ولكنه نجح في الحدّ منها إلى أضيق نطاق، وتمكن من السيطرة على عدد الإصابات والوفيّات، بسب نجاح اللقاحات التي أنتجت في فترة تعدّ قياسية، في تحقيق حصانة جمعية ضد الوباء، في نسخه التي تتالت، وبات بوسع الناس العودة إلى ما ألفوه من سلوك حميد في الالتقاء بأحبتهم في تجمعات للعائلات والأصدقاء من دون أن يكونوا مسكونين بالخوف الذي هيمن على النفوس فيما انقضى.
 يستقبل الناس العيد السعيد، إذن، بالكثير من البهجة لأنه عاد إليهم في ظروف باتت، أو أوشكت، أن تكون طبيعية، وأن التعافي هو عنوان الفترة التي نعيشها حالياً، بكل ما تحمله مفردة التعافي من معانٍ ودلالات، على الصعد الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية. ورغم أنه من الصعب الجزم بأن الجائحة، بقضّها وقضيضها كما يقال، باتت ماضياً، «تنذكر ما تنعاد»، كما نأمل جميعاً، خاصة أن تطورات العالم من حولنا تحمل نذراً سيئة، بل لعلها مخيفة، لا على الصعيد الصحي وحده، وإنما على صعد مختلفة، لكن علينا أن نأخذ بما قاله شاعرنا الكبير محمود درويش: «إذا جاءك الفرح مرة أخرى، فلا تذكر خيانته السابقة.. ادخل الفرح وانفجر».
هذا الفرح، وإن كبر، لن يحول دون إيقاظ ذاكرة غافية في نفوس الناس، وصور لا تبارحهم: صورة الأم الحنون، صورة الأب الطيب، صورة الأعزاء الذين خطفتهم منا الحياة في شيء أشبه ما يكون بالغفلة، سواء بسبب الجائحة المشؤومة، أو بسبب سواها من الأسباب، لندعُ لهم بالرحمة، ولنقُل لهم، حتى وهم في الغياب، إن وجوههم الطيبة وذكرياتنا العذبة معهم لن تبرح الذاكرة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"