جرائم الحرب والإفلات من العقاب

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

كرر المسؤولون الأمريكيون مؤخراً اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، والدعوة إلى محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية. فالرئيس الأمريكي جو بايدن اتهمه ب«الوحشي»، وقال «حقيقة الأمر، لقد رأيتم ما حدث في بوتشا.. إنه مجرم حرب.. لكن علينا جمع كل التفاصيل حتى يمكن إجراء محاكمة للنظر في جرائم الحرب». وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان «إن الرئيس بايدن سيتشاور مع الحلفاء لضمان أن تدفع روسيا والرئيس بوتين ثمن جرائم الحرب التي ترتكب في أوكرانيا»، وأضاف أن «مشاورات قد تُجرى في المحكمة الجنائية الدولية أو في أي مكان آخر». كما أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أشار إلى أن بلاده تقوم بتقييم وتوثيق جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبها الروس في أوكرانيا، وقال إن هناك عواقب وخيمة لأية جرائم حرب يتبين وقوعها.

 يذكر أن الولايات المتحدة لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية ولا بولايتها القانونية ولا بقراراتها، وهي واحدة من 12 دولة فقط لم تنضم إليها، بل هي تفرض على الدول التي تتواجد قواتها فيها عدم محاكمة أفرادها في حال ارتكابهم جرائم إلا على الأراضي الأمريكية، ومع ذلك فهي تدعو إلى محاكمة الرئيس الروسي أمام هذه المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب. إضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة كانت فرضت عام 2020 عقوبات على كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية، من بينهم المدعية العامة السابقة للمحكمة فاتو بن سودا.

 المفكر والمؤرخ والفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي سخر في حديث مع مجلة «نيو ستيتسمان» البريطانية من الدعوات الأمريكية لمحاكمة الرئيس الروسي أمام المحكمة الجنائية، واتهم السياسة الأمريكية ب «النفاق والتناقض»، وأشار إلى ما ارتكبته الولايات المتحدة في تشيلي عام 1973 وغواتيمالا عام 1954، وفي إيران عام 1953 خلال تدبير الانقلاب على مصدق. كما تحدث عما ارتكبته الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق ومقتل ملايين المدنيين، وقال إن كل رئيس أمريكي شغل هذا المنصب بعد الحرب العالمية الثانية «كان من المفترض أن يعدم»، وتحدث بازدراء عن الرئيس الحالي جو بايدن.

 لا شك أن هناك آلاف الأبرياء وملايين اللاجئين هم ضحايا الحرب الأوكرانية، إضافة إلى الدمار الواسع الذي لحق بالمدن الأوكرانية، وهو أمر مرفوض إنسانياً وأخلاقياً، لأن الأبرياء وحدهم هم ضحايا الحروب التي يفرضها الأقوياء، وهم وحدهم ضحايا الصراعات على النفوذ ومواقع القرار، لكن ليس من حق الولايات المتحدة تحديداً أن تتحدث عن ارتكاب الآخرين جرائم حرب، والدعوة إلى إحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية، لأن ما ارتكبته في الدول التي قامت بغزوها أو شن الحروب عليها من دون أي مسوغ قانوني أو دولي يمثل جرائم حرب، وحرب إبادة موصوفة، ومع ذلك أفلتت من العقاب باعتبارها تملك القوة والهيمنة على المؤسسات الدولية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"