الخير بنظرة الأمن الغذائي

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

كل عام وأنتم بخير. هل يدرك الناس الأبعاد الاقتصادية التنموية في هذه التهنئة الدعائية؟ لو ذكرنا خمسة مدلولات موروثة للخير، لكان القمح من بينها. الخير مقترن في العادات والتقاليد بالنعمة، التي تطلق على الحنطة والخبز لدى الشعوب العربية.
أدرك العالم أن النمو بلا مذاق، إذا لم يقترن بنمو الحنطة، الذرة ودوار الشمس. بعد عقود من النوم الزراعي، صحا العرب على مفارقات من الوزن التاريخي الثقيل. أقدم تاريخين في ذاكرة الحنطة، هما وادي الرافدين ومصر. لكن القمح المصري جادت أياديه كل المنطقة قروناً. النيل لا يزال في مجراه لم يبرح مكانه، أمّا القمح، فقد صار يأتي إلى مصر متجشماً آلاف الكيلومترات. هل تدري تلك الحبوب أنها حين تهبط مصر، إنما هي تزور ربوع السنابل الأولى، أمهات الحنطة وجداتها؟
التراجيكوميديا الأنكى هي: هل كانت شعرة تتحرك في مفرق العالم خوفاً من نقص في الحنطة أو نفاد، لو كانت تربة السودان قد سخت على الدنيا قمحاً وحبوباً وشمندراً منذ عقود؟ لو كان للسودان ذلك، لكانت المشكلة بين روسيا وأوكرانيا أقل تعقيداً. اليوم وربما إلى ما لا يعلم إلا الله، لم تعد القضية حرباً فحسب. هي ذي مأساة تتهدد بنقص وربما انقطاع في الحنطة والذرة وزيت دوار الشمس. أيام زمان، كانت العبارة الرائجة في بلاد المغرب العربي: «أكدح لأكسب خبزي»، وكان الفرنسيون يقولون باستعلاء: «أعمل لأكسب شريحة ستيكي». بعد الزلزال الأوكراني، اكتشف الأوروبيون الدقيق، زيت دوار الشمس، والرفوف الخالية. من يدري لعل ماري أنطوانيت في نسخة حديثة تطل من قصر الإليزيه على المتظاهرين، لتوصيهم بتناول الكرواسون بدلاً من الخبز، وبالزبدة وزيت كبد الحوت بديلاً من زيت الذرة.
ما رأيك في التحديث؟ كل عام وأنتم بحنطة وذرة وزيت دوار الشمس. كل عام وأنتم رفوف متاجركم عامرة بالدقيق والسميد والبرغل والفريك. كل عام وأفران مخابزكم موقدة. لكن ذلك لا يتحقق إذا لم تتبادل الدول التهاني: كل عام والزراعة من الأفق إلى الأفق. كل عام والإهراءات والطوامير في كل المدن والبلدات والقرى، تبعث الأمان وتُسمن وتُغني من جوع. ذلك الخير العظيم.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: العربية ظريفة، إذا انعدم القمح، صار الناس مقمحين، أذلاّء، وإذا فُقد الطحين، انطحن أمنهم الغذائي. فليكن كل عام خيراً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"