عادي
ارتفاع الغاز السبب الرئيسي.. وأزمة أوكرانيا تفاقمها

الكلفة الباهظة للأسمدة تثقل كاهل المزارعين

22:32 مساء
قراءة 5 دقائق

دبي: أحمد البشير
بدأت كُلفة الأسمدة الاصطناعية، اللازمة لزراعة العديد من المحاصيل والعشب، في الارتفاع منذ الخريف الماضي؛ وذلك عندما بدأ سعر الغاز المطلوب لإنتاجه في الارتفاع بشكل حاد، فيما فاقمت الأزمة في أوكرانيا الوضع حول العالم.

وأدى نقص الإمدادات بفعل الحرب الدائرة في أوكرانيا، إلى جانب مجموعة من العوامل المتراكمة، إلى ارتفاع أسعار الأسمدة إلى مستويات قياسية؛ حيث ارتفعت أسعار المواد الخام التي تشكل سوق الأسمدة، الأمونيا والنيتروجين والنترات والفوسفات والبوتاس والكبريتات بنسبة 30% منذ مطلع العام، وتتجاوز الآن تلك التي شهدتها أزمة الغذاء والطاقة في عام 2008.

تعد روسيا وأوكرانيا من بين أهم منتجي السلع الزراعية في العالم؛ حيث تتركز الإمدادات القابلة للتصدير في أسواق المواد الغذائية والأسمدة العالمية في عدد صغير من البلدان.

في عام 2021، كانت روسيا أكبر مصدر للأسمدة النيتروجينية في العالم وثاني أكبر مورد لكل من الأسمدة البوتاسية والفوسفورية، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.

وأوقفت روسيا تصدير الأسمدة مؤقتاً، ومن المتوقع أن يكون لهذا القرار تأثيره القوي في أسواق الغذاء العالمية؛ حيث تمثل نحو 14% من صادرات الأسمدة العالمية.

علاوة على ذلك، يعد الغاز أحد المدخلات الرئيسية لإنتاج الأسمدة، وقد أدى ارتفاع أسعار الغاز إلى تقليص الإنتاج في مناطق مثل أوروبا، مما زاد من تقييد السوق.

البوتاس في خطر

العقوبات المفروضة على بيلاروسيا، حليفة روسيا، لها آثار كبيرة على سوق البوتاس؛ حيث تسهم روسيا وبيلاروسيا بنسبة 40% من أحجام التجارة السنوية.

وتتعامل الاقتصادات في جميع أنحاء العالم بالفعل مع تضخم مرتفع تاريخياً، مدفوعاً إلى حد كبير بالارتفاع الشديد في أسعار الغذاء والطاقة.

ويُظهر مؤشر الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن أسعار المواد الغذائية في أعلى مستوياتها على الإطلاق.

أزمة في بريطانيا

بالنسبة للمزارع مات كولي، الذي يملك مزرعة في «هامبشير» البريطانية، فإنه في حال أراد ملء خزانه الذي تبلغ سعته 25 ألف لتر بالسماد، فإن ذلك سيكلفه 21 ألف جنيه استرليني (27.4 ألف دولار) بالأسعار الحالية. وقبل عام واحد فقط، كانت نفس الكمية من نترات اليوريا والأمونيوم ستكلفه 6 آلاف جنيه استرليني، ما يمثل زيادة قدرها 350%.

ويستخدم المزارعون البريطانيون نحو مليون طن من النيتروجين المصنَّع كل عام لزراعة المحاصيل المخصصة للاستهلاك البشري، والعشب الذي تأكله الحيوانات، وفقاً لما قاله أنتوني هوبكنز، كبير مستشاري المحاصيل في الاتحاد الوطني للمزارعين.

ومع ذلك، يواجه المزارعون تكاليف غير مسبوقة لهذا المكوّن الحيوي. وارتفعت أسعار سماد نترات الأمونيوم إلى 1000 جنيه إسترليني (1300 دولاراً) للطن في الأسابيع الأخيرة، بارتفاع 257% مقارنة ب 280 جنيهاً إسترلينياً للطن قبل 12 شهراً.

والأسمدة ليست سوى واحدة من ثلاثة منتجات يجب على المزارعين شراؤها، جنباً إلى جنب مع العلف والوقود، والتي ارتفعت أسعارها جميعاً خلال الأشهر الأخيرة، خاصة منذ غزو روسيا لأوكرانيا، مما زاد من الضغط على الزراعة.

وتمثل التكاليف المرتفعة أحدث تحدٍ لمنتجي الأغذية المحليين؛ وذلك بعد شهور من نقص العمالة، والتي تم تسليط الضوء عليها الأسبوع الماضي في تقرير برلماني.

وحذر نواب في لجنة البيئة والغذاء والشؤون الريفية في مجلس العموم من أن النقص المزمن في العمالة يمكن أن يلحق الضرر بالإنتاج المحلي، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة الواردات الغذائية.

وتنتج المملكة المتحدة ما يكفي من الغذاء لتغطية نحو 60% من احتياجاتها، إلا أن العديد من المزارعين يخشون النقص المستمر في العمال بعد «كوفيد» و«بريكست»، بينما تصاريح العمالة الموسمية للأشخاص القادمين إلى المملكة المتحدة لقطف المحاصيل والزهور محدودة ب 30 ألفاً سنوياً من قبل الحكومة، هذا إضافة إلى التكاليف الباهظة، التي تزيد الضغط على المزارعين لدرجة أن البعض قد يختار ترك هذا القطاع.

الأسواق تتلقف

ويتم تداول القمح والذرة والنفط بأسعار قياسية في سوق تأثرت بالعواقب المتتالية للأزمة الأوكرانية، وبدرجة أقل بالمخاوف إزاء تبعات تقلبات الطقس في الولايات المتحدة على المحاصيل المقبلة،

من خلال التحذير الروسي من الخطر «الحقيقي» لاندلاع حرب عالمية إلى قصف الجسر الذي يربط منطقة أوديسا بالحدود الرومانية، لاحظ الوسيط داميان فركامبر من شركة «إنتر كورتيدج» أن «آفاق إيجاد تسوية سريعة للنزاع تتضاءل والأسواق تتلقف ذلك».

مؤخراً استهدفت القوات الروسية الجسر البري عبر السكك الحديدية الذي يعبر مصب نهر دنيستر، لإبطاء شحنات الأسلحة الغربية المرسلة إلى كييف. لكن هذا الجسر كان يوفر أيضاً طريقاً لإخراج الحبوب المخزنة في أوكرانيا كونه يتيح الوصول إلى نهر الدانوب وميناء كونستانتا الروماني.

وقال فركامبر: «في آذار/ مارس، أمكن إخراج نحو 160 ألف طن من الحبوب من أوكرانيا - وهذا يقل بكثير عن مليون طن أسبوعياً قبل الحرب - لكن حركة نقل الحبوب غير العادية أشبعت قدرة المراكز الحدودية البولندية. وتم البحث عن طرق أخرى لتسريع الصادرات» وكان هذا الجسر فوق نهر دنيستر يوفر طريقاً جنوبياً للوصول إلى نهر الدانوب، مما أعطى «الأمل في زيادة» أحجام الصادرات. إذا أغلق هذا الجسر، فإن الطريقين اللذين ما زالا مفتوحين، لكنهما أطول بعدة مئات من الكيلومترات، يمران عبر مولدافيا - مع تجنب منطقة ترانسدنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا - أو عبر غرب أوكرانيا، باتجاه شمال رومانيا، عبر تجاوز مولدافيا تماماً.

في حين أن أوكرانيا كانت تصدر قبل الحرب 12% من صادرات القمح و15% من الذرة و50% من زيت عباد الشمس على مستوى العالم فإن غيابها عن المشهد الدولي يلقي بظلاله خصوصاً على الزيوت التي سجلت أسعارها ارتفاعات جديدة الأسبوع الماضي.

ارتفاع سعر زيت النخيل

إن التهديد بنقص زيت عباد الشمس - من دون الصادرات الأوكرانية ومع فرض روسيا نظام حصص وزيادة ضرائب الصادرات - أدى إلى تضخم الأسعار الأسبوع الماضي.

ثم أثار إعلان إندونيسيا عن فرض حظر على صادرات زيت النخيل اعتباراً من يوم الخميس الماضي حالة من الذعر في الأسواق.

قال غوتييه لو مولغا من بيت الخبرة «أغريتل»: إن «إندونيسيا تريد احتواء الارتفاع في أسعار زيت الطهي في سوقها المحلي، لكن هذا الإعلان عن حظر التصدير لم يكن واضحاً: تحدثت السلطات أولاً عن زيت النخيل من دون تمييز، قبل أن تقول إن الزيت المكرر وحده المستهدف، ثم تعود وتذكر الزيوت الأخرى. كل هذا ساهم في التقلب الكبير في الأسعار».

نتيجة لذلك، ارتفع زيت النخيل كثيراً في بورصة كوالالمبور ثم حطم زيت السلجم (colza) الجمعة الماضي الرقم القياسي المسجل على الإطلاق ليباع الطن بسعر 1.081.25 يورو في بورصة يورونكست.

هذا الحظر الذي فرضه أكبر منتج لزيت النخيل في العالم يعد «تذكيراً إضافياً بضعف سلاسل التوريد الزراعية في بيئة المخزون فيها ضئيل بالفعل وتفاقمت بسبب الخسارة غير المحدد حجمها للصادرات الأوكرانية وتكاليف الإنتاج المرتفعة تاريخياً»، وفق ما لخصت تريسي ألين الخبيرة لدى المؤسسة الاستشارية «جيه بي مورجان لأبحاث السلع».

قلق في الولايات المتحدة

يتزايد القلق بشأن المحاصيل في القارة الأمريكية.

ففي الولايات المتحدة، يتركز الاهتمام بشكل أساسي على القمح، «بسبب استمرار الجفاف في السهول الجنوبية» وتأخر زراعة الذرة - حيث بلغت نسبة البذر 7% مقابل 15% في المتوسط - ويعود ذلك هذه المرة إلى التربة الباردة والرطبة شمال حزام الذرة، على ما أوضح دان سيكندر من مؤسسة «دي سي أناليسيس».

في بورصة يورونكست، الأربعاء، بيع القمح الطري بسعر 417 يورو للطن، تسليم أيار/ مايو، والذرة بسعر 340.25 يورو تسليم حزيران/يونيو. وارتفع سعر زيت السلجم (الكولزا) إلى 1051 يورو للطن تسليم أيار/ مايو.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"