تعزيز الاستفادة من معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية

21:46 مساء
قراءة 4 دقائق
4

نيال هانيغان *
فيما يبحث العالم عن حلول ناجعة لبناء مستقبل مستدام، فإن إحداها يتمثل في سوق الاستثمارات الخضراء وهي من المجالات التي باتت تحقق نمواً كبيراً بالفعل. وتبحث المؤسسات المالية الكبرى في مختلف أنحاء العالم عن فرص لتوزيع رأس المال مقابل الاستثمارات التي تتوافق مع الأهداف المستدامة و/أو تلبي معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. ووفقاً ل «بلومبيرغ»، يمكن أن تصل الأصول التي تتمتع بمؤشرات أداء عالية في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية إلى 53 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2025، أي ما يمثل أكثر من ثلث إجمالي الأصول الخاضعة للإدارة.

وتعتبر هذه الأرقام مبشرة بالنسبة لشركة مصدر؛ حيث تشكل الاستدامة إلى حد كبير حجر الأساس في نهجنا الخاص بالتمويل، فمهما كانت قيمة رأس المال الذي نجمعه، فإنه يتم استثمارها في مشاريع مستدامة. ولطالما كانت مصدر رائدة في مجال التمويل المستدام؛ حيث أطلقنا في عام 2018 أول تسهيلات ائتمانية متجددة خضراء في المنطقة، وفي العام الماضي أنشأنا صندوق مصدر للتمويل العقاري الأخضر، وهو أول صندوق على مستوى الإمارات يتخصص فقط في الاستثمار في أصول عقارية مستدامة.

وقد لقيت هاتان المبادرتان استحساناً كبيراً في السوق، ويسعدني القول إننا تمكّنا من الحصول على شروط مرضية للغاية خلال عملية إعادة تمويل التسهيلات الائتمانية الخضراء التي استقطبت اهتماماً استثنائياً من قبل المؤسسات المالية المحلية والإقليمية والدولية. كما أن صندوق مصدر للتمويل العقاري الأخضر حصل على ردود إيجابية مماثلة في سعيه لتوفير أول تسهيلات مالية لتمويل الديون.

ولا شك في أن الشفافية هي مفتاح نجاح «مصدر»؛ حيث كانت واحدة من أوائل الشركات في المنطقة التي أدركت أهمية الإفصاح عن القضايا المتعلقة بالاستدامة، وأصدرت أول تقرير سنوي عن الاستدامة في عام 2012. وفي ظل تسليط الضوء على ضوابط العمل الصارمة التي تتبعها الشركة، وإدراك المقرضين للقوة المالية التي تتمتع بها مصدر وسجلها الحافل، وتركيزها على التنمية المستدامة والاستثمار وجودة علامتها التجارية واستدامتها، فإن ذلك يتيح لنا النظر في طرق أكثر ابتكاراً لهيكلة الحلول المالية.

إن المؤسسات غير القادرة على إظهار هذا المستوى من الشفافية قد تفوّت عليها فرصة الاستفادة من الاستثمارات المهتمة بتطبيق معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. وبحسب تقرير «اي واي» حول «كيفية الاستفادة المثلى من معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية المالية»، فإن هناك حاجة ملحة إلى الارتقاء بمستوى تقارير الإفصاح عن تطبيق معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية إلى نفس المستوى الذي يتم التعامل به مع الإفصاح المالي؛ إذ يتطلع المستثمرون إلى تعزيز فهمهم لمدى تأثير استراتيجيات الشركة الخاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية على الأداء والمجتمع، أي سواء على مستوى الشركة أو خارجها، والقدرة على تحقيق القيمة. ومن شأن ربط معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية مع العوامل المالية أن يمكّن الشركات من استعراض المقومات الاقتصادية لمختلف أهداف واستراتيجيات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، ما يضمن القدرة على قياس التكاليف الحقيقية والفرص التي توفرها الشركات بشكل دقيق. ومن شأن تحسين القدرة على الإفصاح عن معايير الحوكمة أن يساعد كافة أصحاب المصلحة على الإلمام بشكل أدق بأداء الشركة، واتخاذ القرارات، وتحقيق القيمة، إضافة إلى الحد بشكل كبير من مخاطر ظاهرة «الغسل الأخضر» والتي تعني ممارسة التضليل حول الممارسات البيئية للشركة.

ولهذا سعت مصدر إلى تبني الشفافية وإصدار تقريرها السنوي حول الاستدامة والذي نجح في إرساء معايير القطاع على مستوى المنطقة. كما أننا في مصدر حصلنا على أولى التصنيفات الائتمانية من قبل وكالة موديز لخدمات المستثمرين ووكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية خلال عام 2021، وذلك بهدف مساعدة المستثمرين على تكوين صورة أوضح حول الشركة ومخاطر الائتمان لديها. وقد قاد هذا التصنيف من قبل الوكالتين إلى منح مصدر مكانة ضمن الفئة الاستثمارية. وتعمل مصدر على تطوير إطار عمل للتمويل المستدام من أجل مزيد من الشفافية. وتكريساً لأهمية تعزيز الشفافية وتطبيق المعايير، فإننا نفصح عن كيفية توظيف رأس المال، وأين يستخدم، والنتائج التي يقود إليها استثمار رأس المال والتي تتعلق بدعم تنفيذ أجندة الاستدامة العالمية.

باعتقادي بات من الضروري أن نشهد المزيد من الشركات التي تحذو حذو مصدر في هذا المجال؛ إذ يوضح تقرير صدر مؤخراً عن «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» بشكل جلي أنه على الرغم من الاهتمام غير المسبوق بالاستثمار المستدام، فإن التدفقات المالية ما زالت دون المستويات المطلوبة للحد من الاحتباس الحراري تحت درجتين مئويتين.

لقد استطاعت مصدر أن تحقق خطوات رائدة وأن تكون مثالاً يحتذى في قطاع الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، الذي بات يوفر العديد من الفرص التي تمكننا من بناء عالم أفضل. وإننا ملتزمون بمواصلة تعزيز معايير الحوكمة والشفافية في مختلف أنشطتنا ومشاريعنا المنتشرة حول العالم، وهو ما يعود علينا بالمقابل بالكثير من الفرص الواعدة. وإنني أتطلع قدماً إلى توفير المزيد من الحلول المبتكرة المتعلقة بالتمويل وإفصاح الشركات على مدى السنوات المقبلة.

* المدير المالي التنفيذي في شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"