حرب.. المنتصر فيها من يتجنب الهزيمة

00:18 صباحا
قراءة 4 دقائق

عاطف الغمري

الآن، صارت كلمة الحرب هي الشغل الشاغل في جميع بلاد العالم، انشغل بها الحكام والمسؤولون، وسيطرت على اهتمام الإعلام، وأحاديث الناس العاديين، بكل تداعياتها الحياتية، والمعيشية، والنفسية. وكل ذلك نتيجة ما ألقته حرب أوكرانيا من ضغوط، معبّأة بالترقب، والمخاوف، وتمنيات بأمل انقشاع الغمة.

 واكب هذه الأجواء المتوترة، صدور كتب تحمل عناوينها كلمة «الحرب» بتنويعات مختلفة، وتفسيرات، لما هو ظاهر وما هو خفي في كواليس الحرب المشتعلة.

 من بين نماذج هذه الإصدارات، كتاب لماكس بوت بعنوان «قسوة الحروب الصغيرة، وصعود القوة الأمريكية»، والكاتب معروف بمقالاته التي تنشر في صحيفة «وول ستريت جورنال»، وهو أيضاً عضو بمجلس العلاقات الخارجية، الشهير بالولايات المتحدة.

 ثم هناك كتاب للباحث روبرت كابلان بعنوان، «سياسات الحروب»، الذي تناول أحداث الحروب المحدودة في زماننا الحالي، وكان قد سبقهما زمنياً كتاب البروفسور فيليب بوبيت الذي سبق أن عمل مستشاراً للشؤون الاستراتيجية، بوزارة الخارجية، وعنوان كتابه «الحرب والسلام ومسار التاريخ».

 كتاب ماكس بوت حظي باهتمام كثيرين من الخبراء والمفكرين المختصين بهذا النوع من الدراسات، فهو يتخذ موقفاً أقرب إلى تبرير القيام بالحرب، ويميل إلى جعل القارئ يعتقد أن سجل أمريكا في الحروب الصغيرة حول العالم أو طوال السنين الماضية، هو جزء من تجارب وخبرات قومية كانت تسمح لأمريكا بأن تلعب دوراً فعالاً في المجال العالمي، بما يتيح لها تنفيذ سياسات تتناسب مع تبوّئها موقعاً وصفه بالسلام الأمريكي Pax Americana، بما يعنيه هذا المصطلح الروماني القديم تاريخياً، بالهيمنة على العالم، وهو مفهوم ينتشر بين قيادات مؤسسات صناعة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة.

 هذا المفهوم الذي عرضه ماكس بوت قوبل بانتقادات من جانب مفكرين ومؤرخين ناقشوا كتابه، ووجدوا أن رؤيته تفتقد فهم واستيعاب ما جرى في العالم خلال العقود الأخيرة، من تطورات وتحولات، نتيجة صعود قُوى في المناطق الإقليمية من العالم، تملك طاقات إحراز التقدم والمنافسة مع الولايات المتحدة. واتفقوا أيضاً على أنه لم يتعرض لمناقشة متعمقة لواقع الحروب في العصور الحديثة، والتي تختلف جوهرياً عن حروب القرن العشرين، وما سبقه من قرون.

 وتلك نقاط تلوح الآن في أجواء حرب أوكرانيا، والتي دفعت الكثيرين للإعلان بأن وراءها رغبة أمريكية في فرض الهيمنة على العالم.

 المؤلف روبرت كابلان يعد من أبرز الذين فنّدوا كلام ماكس بوت، وأعلن اتفاقه مع كثير من الأفكار المعارضة التي طرحها الذين ناقشوا كتابه، وقال إن أفكار بوت تبدو وكأنه يتجاهل الدروس التي خرجت بها أمريكا من حروبها الصغيرة السابقة. وهو ما انعكس على تخبطها في فيتنام، وخطأ تقديرها لمدى قدرة عدوها على القتال في معارك تدور في بلده، الذي يعرف جغرافيّتها أكثر مما يعرفه الأمريكيون، والخبرات القتالية للفيتناميين الذين اكتسبوا خبرات متراكمة من تجربة حرب العصابات التي أنزلت الهزيمة بقوات الإمبراطورية الفرنسية في الهند الصينية، والتي توزعت مساحتها بعد ذلك على أربع دول منها فيتنام.

 وإن تلك التجربة الفيتنامية انتهت إلى هزيمة الولايات المتحدة على يد الفيتناميين في السبعينات، بالرغم من الهوة السحيقة بين القوة العسكرية الأمريكية، وبين التسليح الفيتنامي الأقرب غلى البدائية مقارنة بالتسلح الأمريكي.

 أما عن تشخيص فيليب بوبيت في كتابه «الحرب والسلام ومسار التاريخ، فهو القائل إنه بناء على التحول في أنماط الحروب، فلن يكون هناك في حروب عصرنا الحالي، انتصار نهائي، بل إن معيار النصر، سيتحدد على أساس تجنب الهزيمة. وتلك معضلة ينشغل بالبحث فيها رجال الاستراتيجية الذين يضعون خطط الحرب.

 يظهر في قلب هذه التوجهات، وبناء على ما دار من مناقشات حول ما سمى بالحروب الصغيرة، تمييزاً لها عن طبيعة الحربين العالميتين الأولى والثانية، القول بأن الفشل في حرب فيتنام، هو الذي أثمر عن المبدأ القتالي الذي أعلنه في الثمانينات كاسبر واينبرغر وزير الدفاع في إدارة رونالد ريغان، ثم أعاد صياغته في التسعينات كولين باول، وقت أن كان رئيساً لهيئة الأركان المشتركة، والذي أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية في إدارة جورج بوش الابن.

 وهو المبدأ الذي عرف باسم «استراتيجية الخروج»، والذي يعني أنه يجب على الدولة قبل الدخول في حرب أن تضع مقدماً استراتيجية للخروج منها، قبل أن تظهر أي فرص للفشل أو التورط في مستنقع لا مخرج منه.

ونجد هنا، أن الكاتب ماكس بوت يشير إلى مناقشات جرت في عام 2002، وأوائل 2003، بين عدد من الجنرالات السابقين حول إمكان استخدام القوة ضد العراق: وكان هناك رفض ملحوظ لغزو العراق عسكرياً، معاكس لموقف الصقور في الحكومة وفي مقدمتهم وزير الدفاع دونالد رمسفيلد، ونائبه بول وولفويتز، رغم أنهما من المدنيين، إلا أن انتماءهم لجماعة المحافظين الجدد، كان وراء إصرارهم على الحرب، وهو ما أعلنوه في وثائقهم الرسمية – حتى من قبل وصولهم إلى الحكم في عام 2001– بشأن هيمنة أمريكا وسيادتها على العالم، حتى ولو كان ذلك عن طريق استخدام القوة. والآن فإن مبدأ الخروج الاستراتيجي لابد أن يتناسب مع كون الحروب في القرن الواحد والعشرين، تدور بين خصوم لديهم معاً تسلح أكثر تطوراً ودماراً.

 على ضوء ذلك كله، يتأكد أن المستقبل لن يكون شبيهاً بالماضي، فالعالم يبحر في مياه هادرة، وفي مناخ شديد التقلب، وهي أوضاع تفرض على الجميع استيعاب هذه التحولات، بما تحمله من مكاسب ومن مخاطر معاً، بعيداً عن التدحرج في منحدر لا أمان فيه لمن ينزلقون عليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"