عادي
فنان الغموض واللوحات المثيرة للأسئلة

رينيه ماغريت.. رسام البحث عن اللامرئي

00:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
2003

الشارقة: عثمان حسن
رينيه ماغريت فنان بلجيكي (1898 1967) معروف بلوحته الشهيرة «ابن الإنسان» وسلسلة لوحات بعنوان «الحالة البشرية». وفي هذه اللوحات يبرع ماغريت في إخفاء أجزاء من الصور التي يقوم برسمها سواء كانت تفاصيل آدمية أو مناظر طبيعية، وهكذا كما هو في لوحة «ابن الإنسان» التي تعود لعام 1964، وقام برسمها على أنها بورتريه شخصي، وتصور رجلاً يرتدي معطفاً أسود وقبعة بولنغ سوداء مستديرة وربطة عنق حمراء.

يقف الرجل في اللوحة أمام سور حجري قصير يظهر خلفه البحر وسماء ملبدة بالسحب، كان وجهه مغطى بشكل كبير بتفاحة خضراء، وكان بالإمكان رؤية جزء من عينيه كذلك، وبالنظر إلى ذراعه اليسرى يبدو الرجل وكأنه ينحني إلى الأمام. ويمكن رؤية عينيه تطل على حافة التفاحة، وهناك ميزة أخرى خفية هي أن الذراع اليسرى للرجل تبدو وكأنها تنحني للخلف عند الكوع.

يقول ماغريت عن هذه اللوحة: «إنها تخفي الوجه جزئياً على الأقل، وهناك «الوجه الظاهر»، و«التفاحة»، إنه أمر يحدث باستمرار، كل شيء نراه يخفي شيئاً آخر، دائماً ما نرغب على الدوام في رؤية ما يختفي وراء ما نراه، هناك فضول وراء ما هو مخفي، وغير ظاهر لنا، وهذا الفضول هو شكل من أشكال الصراع بين ما هو ظاهر وما خفي».. واللوحة مرسومة بألوان الزيت بقياسات 116 سنتيمتراً وارتفاع 88 سنتيمتراً.

تفسيرات

كان رينيه ماغريت معنياً دائماً بتفسير لوحاته للمقربين من الفنانين والشعراء، ففي السلسلة المعنونة باسم «الحالة الإنسانية» التي رسمها بين 1933 و1935 (إحدى هذه اللوحات موجودة ضمن مقتنيات المتحف الوطني للفنون في واشنطن العاصمة) والسلسلة تتألف من 4 لوحات، تصوّر إحدى اللوحات نافذة يمكن رؤيتها من داخل غرفة، وتظهر ذلك الجزء من المناظر الطبيعية التي تغطيها اللوحة. وهكذا تخفي الشجرة التي في الصورة شجرة خلفها خارج الغرفة، كان الأمر يبدو وكأن كلاً من اللوحة والمنظر الطبيعي في الخارج كأنهما يشاهدان داخل الغرفة.

في رسالة إلى الشاعر البلجيكي أشيل شافيتم قال ماغريت: «تلك هي الطريقة التي نرى بها العالم، على الرغم من وجود تمثيل واحد فقط للصورة في داخلنا».

وأكد ماغريت دوماً أن كل الذكريات والأحداث والصور التي حدثت في الماضي لها صورة أخرى في حاضرنا، هنا يفقد الزمان والمكان المعنى، وتصبح تجربتنا اليومية ذات أهمية قصوى، فنحن نرى العالم خارجنا على الرغم من صورته الماثلة أمام أعيننا، وهنا يفقد الفضاء كل ما هو مألوف، فتبرز أسئلة حول: ماذا تعني هذه الصورة، ماذا تمثل؟ «أما الإجابات فتفقد معناها الضمني أو الصريح ولا تعود قادرة على رؤية الحقيقة بكاملها، يصبح الرمز هو البديل وهو الوسيلة المتاحة».

وخلال الاحتلال الألماني لبلجيكا في الحرب العالمية الثانية، اعتمد أسلوباً ملوناً مرناً، وهذه هي الفترة التي عرفت باسم «فترة رينوار»، كرد فعل لمشاعره بالغربة والهجران، وفي بلجيكا أيضاً أنتج لوحات مقلدة لفان جوخ وبيكاسو وسيزان، واستولى شقيقه بول ماغريت على هذا المشروع لاحقاً.

خارج النمط

وبقي ماغريت في بروكسل ما تبقى من حياته، معروفاً بأسلوبه السيريالي، ونادراً ما كان يبتعد عن هذا الشكل، وصورت الكثير من أعماله مشاهد مماثلة وموضوعات متكررة، وكانت بعض الأشياء المفضلة لديه عبارة عن صخور عائمة، أو رسم لوحة داخل لوحة، كما استخدم العديد من الأشياء الجامدة، داخل شخصية بشرية، وخلق أنماطاً مميزة لم يفعلها الفنانون الآخرون.

وخلال مسيرته أنتج أعمالاً مميزة لم ينجزها فنانون من قبله، امتازت ببصمته السيريالية، ومن بينها إعادة إنشاء الشرفة (التحفة الفنية التي تحمل الاسم نفسه لإدوارد مانيه)، وفيها استبدل الأشكال التي كانت في الصورة الأصلية بالتوابيت. كان هذا أحد أساليبه الفريدة في الرسم، فقد كان دائماً يرسم خارج القواعد المتبعة، ويركز على سمات لم تكن موجودة في الأصل، وكان يردد: «إذا كان الحلم هو ترجمة لحياة اليقظة، فإن اليقظة هي أيضاً ترجمة للحلم».

كانت رموزه الجمالية ك«قبعات البولينج، ومناظر الأحلام الغائمة» بمثابة إرثه الدائم، وعكست جاذبيته على نطاق واسع، حيث صارت لوحاته تباع في المزادات بملايين الدولارات، كما ذاع صيته على نطاق عالمي وهو في الخمسين من عمره، وصف مرة لوحاته بالقول: «رسومي هي صور مرئية لا تخفي شيئاً، إنها تثير الغموض، وفي الواقع عندما يرى المرء أحد هذه الرسوم، يسأل نفسه سؤالاً بسيطاً: ماذا يعني ذلك؟ إنه لا يعني شيئاً؛ لأن الغموض لا يعني شيئاً، إنه غير معروف».

سيرة

ولد ماغريت لأب ثري في 1912 تم العثور على والدته غارقة في نهر سامبر، وقيل إنها انتحرت فتعرضت الأسرة للمهانة، وأثرت هذه الحادثة فيه، فقرر دراسة الفنون في أكاديمية الفنون الجميلة في بروكسل، لكنه ترك الدراسة اعتقاداً منه بأنها مضيعة للوقت، فقدم عدة لوحات عكست في مجملها المدرسة التكعيبية، وتولى عدة وظائف صغيرة حتى يتمكن من دفع الفواتير.

وبعد فترة وجيزة من زواجه بين 1925 و1926 انهمك في إنشاء أشكال فنية متنوعة، وأدرك حينذاك أن السريالية كانت الشكل الفني الذي استمتع به أكثر.

وفي 1927، أقام معرضه الفردي الأول في غاليري «سنتوري» في بروكسل، وخلال هذه الفترة، كان ينتج عملاً فنياً واحداً يومياً، ما زاد من رصيد شهرته، كصاحب أسلوب متميز خاصة بين الجمهور، لكنه أيضاً تعرض لوابل من الإساءات النقدية التي فاقمت كآبته فغادر بروكسل إلى باريس، وهنا أصبح صديقاً للفنان أندريه بريتون، مؤسس الحركة السريالية، وأصبح شخصية بارزة في تلك الحركة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"