الدور على الصين

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

بدأت الصين بالفعل تبحث عن سبل لحماية أصولها الأجنبية، خاصة الأصول بالدولار الأمريكي، في حال فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات عليها، كتلك التي يجري فرضها على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. وقبل أيام، عقد كبار المسؤولين بوزارة المالية الصينية والبنك المركزي الصيني ومسؤولو هيئات الرقابة وتنظيم الأعمال المختلفة مؤتمراً مغلقاً مع ممثلي البنوك الصينية والعالمية التي تعمل في الصين.
 دار الاجتماع حول موضوع واحد: كيف يمكن حماية الأصول الصينية الدولارية من التجميد والحظر إذا فُرضت عقوبات على الصين؟ تباينت المقترحات، ما بين إلزام الشركات الصينية التي تعمل في التصدير بتحويل كل عائداتها بالنقد الأجنبي إلى اليوان الصيني، ما يزيد من احتياطيات العملة الأجنبية داخل الصين، إلى خفض سقف المسموح للصينيين بشرائه من نقد أجنبي سنوياً لأغراض السفر للخارج أو التبضع «أونلاين».
 وحين طُرح على ممثلي البنوك إن كان بإمكانهم تنويع أصولهم لتصبح في أغلبها باليورو أو الين الياباني وليس بالدولار، كان الردُّ بأن ذلك قد لا يكون ممكناً عملياً.
 كان جرس الإنذار للحكومة الصينية هو ما فعلته أمريكا وحلفاؤها بتجميد أصول البنك المركزي الروسي في الخارج، والتي تزيد على ثلاثمئة مليار دولار.
 تملك الصين أصولاً خارجية دولارية بما يزيد على ثلاثة تريليونات دولار، نصفها تقريباً على هيئة سندات خزينة أمريكية، والبقية أصول مرتفعة القيمة من عقارات وغيرها في الولايات المتحدة، تملكها شركات صينية أغلبها يتبع الدولة في الصين. ولا تتكهن القيادة الصينية باحتمال فرض عقوبات على بكين كتلك المفروضة على موسكو. فالولايات المتحدة تُصعِّد من لهجتها بشأن تايوان بالفعل رغم أن الموقف الصيني من الجزيرة ليس جديداً، فهي تعتبرها جزءاً من الوطن الأم الصيني وليست دولة مستقلة.
 وحتى إذا لم تقم الصين بعمل عسكري تجاه تايوان، كما فعلت روسيا في أوكرانيا، فإن واشنطن تحشد بالفعل تحت شعار «استراتيجية تايوان» من أجل ما تصفه «مواجهة التهديدات في مضيق تايوان وضمان أمن وسلامة المحيط وقدرة دولة ديمقراطية (تايوان) على الدفاع عن نفسها». وبالتأكيد ترصد الصين الزيادة الملحوظة في التنسيق الأمريكي مع اليابان وأستراليا وبريطانيا لترتيب إجراءات ضد الصين. ورغم أن بعض المحللين يرون أن حصار الصين وخنقها من قبل أمريكا وحلفائها الغربيين قد يبدو أصعب مما يجري مع روسيا، على اعتبار أن الصين تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتربطها مع بقية العالم من حيث الاعتماد المتبادل أكبر كثيراً من وضع روسيا في الاقتصاد العالمي، فإن الاستراتيجية الأمريكية/البريطانية واضحة جداً خاصة مع إدارة الرئيس جو بايدن.
 وإذا كانت العقوبات على روسيا وحصارها اقتصادياً أدى إلى ارتفاع في أسعار الطاقة والغذاء، واستمرار معدلات التضخم في أرجاء العالم بالارتفاع الصاروخي، وبطء النمو الاقتصادي إلى حد الانكماش واحتمالات الركود، فإن العقوبات على الصين ومحاولة حصارها اقتصادياً ستكون أشد وطأة. 
 ربما يرى البعض أن تلك التحليلات والتقديرات هي من قبيل الاستنتاج على أساس افتراضات، لكن تجربة حرب أوكرانيا والهجوم الاقتصادي الأمريكي/الغربي على روسيا، تجعل تكراره مع الصين أمراً وارداً جداً. وقد لا تحتاج أمريكا وحلفاؤها حتى إلى انتظار أن تشن الصين حرباً على تايوان لاستعادتها. فيكفي أن تتذرع أمريكا والغرب بأن الصين تهدد السلم الدولي في مضايق تايوان.
 تلعب بريطانيا هنا دوراً رئيسياً في توفير الذرائع والمبررات، في محاولة أيضاً لاستعادة لندن دورها «الاستشاري والخدمي العالمي» ضمن تحالف تقوده أمريكا. فوزيرة الخارجية البريطانية تتحدث منذ أسبوعين عن ضرورة توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليصبح له دور في آسيا، وتحديداً فيما يسمى منطقة «الهند والمحيط الهادئ». بل ويتصاعد الحديث في بريطانيا عن ضرورة تشكيل «ناتو اقتصادي» يكون دوره «استباقياً» ولا ينتظر أن يتخذ إجراءات رد فعل، كما حدث في الحرب الأوكرانية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"