عادي
صراع يبدأ مع الانفصال وتحسمه المحكمة لكنه يستمر

حضانة الأبناء.. حروب ما بعد الطلاق

00:21 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحقيق: محمد الماحي
عندما تلفظ الحياة الزوجية أنفاسها الأخيرة، ويستحيل استمرار العلاقة بين الزوجين، تبدأ بينهما حلقات انتقامية في مسلسل صراع، تعد حضانة الأطفال الحلقة الأبرز فيه.. بروح الانتقام و«العند»، ينتقل الصراع إلى ساحات المحاكم ويتمدد خارجها. وفي ظل هذه التداعيات، يحشد كل طرف قواه من أجل محاربة الطرف الآخر، حتى يفوز بحضانة الأطفال وحرمان الطرف الآخر من رؤيتهم، ليبدأ جدل واسع وحوار طويل يحاول الإجابة عن السؤال الصعب: من الأحق بحضانة الطفل الأم أو الأب؟ خصوصاً ان المسائل المتعلقة بالحضانة وتنفيذ الحكم المتعلق برؤية المحضون، من أصعب التحديات التي تواجه قضاة الأحوال الشخصية، لارتباطها بهامش تقدير كبير حول من تحق له حضانة المحضون، خصوصاً إذا لم تكن أوضاع الأب والأم واضحة.

بالرغم من أن قانون الأحوال الشخصية ينظم مسألة حضانة الأولاد ويعطي الحق للأم في حضانة الولد الذكر حتى عمر 11 سنة، والبنت 13 سنة، فإن المحاكم تشهد خلافات ونزاعات عدة بين المطلقين، يبدو فيها الانتقام والكيد هدفاً رئيسياً، غير أن المحكمة المختصة لا تنقل حضانة المحضون للأب أو للأم إلا إذا رأت واطمأنت إلى وجود مصلحة للمحضون في ذلك، حيث تبقى مصلحة المحضون هي المعيار الأساسي للقاضي.. وقد تعطي المحكمة حق حضانة الطفل للأم حتى لو تزوجت بشخص آخر غير الأب المطلق، وهو ما قضت به محكمة الأحوال الشخصية في الشارقة، عندما رفضت دعوى أقامها أب خليجي لإسقاط حضانة طليقته لطفلهما لبلوغه سن الحضانة القانوني (تجاوز 11 سنة) وبالتالي إسقاط النفقة، وبدل مسكن الحضانة، وأجرة الخادمة للابن واسترداد ما تم دفعه بأثر رجعي لكون المدعى عليها تقطن في منزل والدها.. وتضمن نص الحكم أن القانون منح هيئة المحكمة حق تقدير مصلحة المحضون.

وذكر الأب في دعواه أن طليقته (والدة الطفل) دائمة الانشغال عن ابنهما نتيجة السفر الدائم، وامتناعها عن تنفيذ حقه في الرؤية. وبورود تقرير مركز حقوق الطفل، تبين أن الأب تغيب عن رؤية ابنه 17 مرة، كما أنه يعاني مرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وبسؤال الطفل أقر بأنه يود العيش في كنف والدته.. فقضت المحكمة ببقاء الطفل مع أمه.

السن القانونية

في قضية أخرى، أيدت محكمة التمييز في رأس الخيمة إسقاط حضانة أم لأبنائها الأربعة، البالغين 17 و16 و14 و11 سنة، ورفضت الطعن الذي تقدمت به وألزمتها الرسوم والمصروفات.

في التفاصيل، أوضح محامي النقض يوسف النعيمي، وكيل المطعون ضده، أن ملف القضية بدأ في آخر أبريل من عام 2021، حين رفع الأب دعوى طالب فيها بإلزام المُدعى عليها (الطاعِنة) رد قيمة مسكن الحضانة التي دفعها خلال السنوات الماضية، بعد اكتشافه أن طليقته ووالدة أبنائه تسلمت منزلاً منحةً سكنية من برنامج الشيخ زايد للإسكان، وهو ما شكّل نقطة التحول، ليبادر إلى رفع القضية، مطالباً المُدعى عليها بإرجاع 65000 درهم عن السنوات من 2015 إلى 2021، وبضم حضانة أبنائه الأربعة الذين بلغوا السن القانونية إليه وإلزامها الرسوم والمصاريف.

حرية الاختيار

«الخليج» وضعت قضية حضانة الأبناء بعد الطلاق، وفي ظل صراعات وتصفية الحسابات بين الأب والأم على طاولة القانونيين والمختصين، حيث أكدوا أن هناك بعض الآباء والأمهات يستغلون المشاكل والأزمات بعد الطلاق، ويستخدمون حضانة الأبناء كنوع من الانتقام من الطرف الآخر، ودللوا على أقوالهم بقصص واقعية عن الزوجات والأزواج الذين عانوا الخلافات الزوجية والنكايات.

وأشاروا إلى أن قانون الأحوال الشخصية في دولة الإمارات لم يعطِ المحضون حرية الاختيار بين أمه وأبيه بعد انفصالهما، للعيش مع أحدهما، بعكس ما يعتقده البعض حول جواز ذلك، خصوصاً إذا بلغ المحضون الذكر 11 عاماً، والبنت المحضونة 13 عاماً.

ودعوا إلى ضرورة التركيز على الاقتداء بالنماذج الناجحة في الزواج، وتعزيز ثقافة الطلاق الناجح، وتأهيل المقبلين على الزواج، فضلاً عن زيادة الوعي والثقافة لدى الأبوين بحق الأطفال في رؤيتهما معاً.

الحياة الزوجية

1
عبدالله الكعبي

ويقول المحامي والمستشار القانوني عبدالله الكعبي: توجد حلول كثيرة للمشاكل الزوجية، لكنها تحتاج إلى التفاهم وبعض التنازلات بين الطرفين حتى تستقر الحياة الزوجية، وتمضي إلى مجراها الطبيعي، وآخر هذه الحلول هو الطلاق.

وأضاف: تكمن الطامة بعد وقوع الطلاق في استخدام درع الأبناء، وجعلهم ضحية للطلاق والعناد بين الأبوين، فيبدأ كل منهما يكيد للآخر، ومن ضمن الحالات التي شهدناها أن يقوم الأب بتحريض الأبناء على والدتهم وعدم سماع أي تعليمات منها وتحريضهم بإهمال دراستهم من أجل أن ينخفض مستواهم الدراسي واستغلال الفرصة ويدفع الأب بعدم أهلية الأم الحاضنة.

وذكر الكعبي حالة أخرى لأب ظل يترصد ويتفحص جسد الأبناء ليقف على أي جرح بسيط ثم اقتاد طفله إلى مركز الشرطة ليفتح بلاغاً ضد طليقته ويتهمها بالاعتداء على الطفل، وفي واقع الأمر يكون هذا الجرح نتيجة حركة الطفل الزائدة وإصابته دون قصد أو بسبب عناده أو عصبيته.

وأضاف أن من ضمن طرق وحيل تصفية الحسابات بين الطرفين، أن تمنع الأم المحضونين من رؤية والدهم بحجج واهية، كأن تتذرع بأن المحضون لديه اختبارات مدرسية أو أنه مريض، لافتاً إلى أن هذه التصرفات لا شك أنها تؤثر في المحضونين من كافة النواحي، سواء في سلوكهم أو تحصيلهم الدراسي أو في علاقاتهم الاجتماعية مع الآخرين من أفراد المجتمع وأصدقائهم وزملائهم في المدرسة.

وأشار إلى أن التركيز على نماذج الطلاق الناجح أولى بالاقتداء، فإذا وصلت العلاقة الزوجية إلى طريق مسدود، فليكن الاحترام سيد أفعالهما، وعلى الزوج أن يراعي أحكام الطلاق وحقوق زوجته وأطفاله دون تقتير، وعلى الزوجة ألا تطالب الزوج بما يفوق مقدرته، ولا يحل لها أن تأخذ من أمواله شيئاً، فهي أمينة على أموال أولادها وتنفقها عليهم فقط، مشيراً إلى أن شراكة الوالدين في تربية الأبناء بعد الطلاق تحافظ على توازن الأبناء.

التأثير السلبي

1
عبيد الصقال

ويتفق عبيد الصقال المحامي والمستشار القانوني مع رؤية عبدالله الكعبي، ويوسف النعيمي، مؤكداً أهمية الاحترام بين الأب والأم والتعامل بإيجابية من دون التأثير السلبي في أبنائهما، وبذل ما في وسعهما لزرع المحبة والود لدى أطفالهما، فالأم مطالبة بذكر الخصائل الطيبة عن الأب (مطلقها) أمام أبنائه، وتشجعهم على الاتصال به، والسؤال عنه، وألا تحرمهم رؤيته في المواعيد المقررة، والأب مطالب أيضاً بإبداء الود والإنفاق على مطلقته وأبنائه، وإدخال السعادة إلى قلوبهم، وقضاء أوقات طويلة معهم.

وأكد أن مصلحة المحضون هي الغاية والهدف الأسمى، ولأن الهدف عظيم، فقد أعطى المشرِّع للمحكمة السلطة التقديرية في تحديد الأحق بالحضانة، لكون المحكمة هي المؤتمنة على كل ما فيه مصلحة الصغير المحضون ودفع كل ما من شأنه الإضرار به.

برامج ترفيهية

1
عبدالعزيز الحمادي

أما الدكتور عبدالعزيز الحمادي، استشاري أسري، فيرى أنه ليست هناك حاجة لتشريع ينظم رؤية الأطفال، بقدر ما هناك حاجة لزيادة الوعي والثقافة لدى الأبوين، مستعرضاً حالة أطلق عليها «الطلاق الناجح» حيث اتفق الزوجان بعد انفصالهما على العمل من أجل مصلحة أطفالهما، فكانا ينظمان برامج ترفيهية مشتركة لأطفالهما حتى أنهما سافرا معاً لأداء فريضة العمرة بصحبة أطفالهما.

وأكد أهمية تعزيز الوازع الديني لدى الأسر والمقبلين على الزواج وتنفيذ حملات توعية حول مخاطر الدعاوى الكيدية بين الأزواج وتأثيرها في الأطفال.

وبيّن أن الانتقام والمكاسب المالية وحضانة الأطفال من أبرز أهداف الدعاوى الكيدية بين المطلقين.

شروخ عاطفية

1
نواف يوسف النعيمي

ويقول الدكتور نواف يوسف سلطان النعيمي، اختصاصي الطب النفسي، إن روح الانتقام بين الأب والأم بعد الطلاق تسبب شروخاً عاطفية ونفسية عميقة لدى الأبناء، وتترك آثاراً سيئة، ليس فقط على الأطفال المحضونين، وإنما على المجتمع بأكمله عندما ينطلق هؤلاء الأبناء إليه بنفسيات مريضة جراء الصراعات التي شهدوها بين أبويهم.

وقال: إن الصراعات التي قد تستدعي طلب الشرطة لطرف أو طلب شهادة الأبناء في قاعات المحاكم أو الدفع بعدم أهلية أحد الطرفين لها تأثير كبير في نفسية الأبناء المحضونين، وتجعلهم معرضين للانحرافات السلوكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"