عادي

هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون.. منارة فكرية وثقافية

00:39 صباحا
قراءة 5 دقائق
  • جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة

الحديث عن تأثير الإعلام في المجتمعات ووعيها يظل هاجساً لدى المهتمين بشمولية التنمية، والمحافظة على مكتسباتها التي من أهمها الإنسان، فالإعلام واحد من المؤثرات المهمة إن لم يكن أهمها في هذا العصر، والتي نرى انعكاساتها على فئات المجتمع المختلفة لا سيما الشباب الذين يُنظر إليهم كصورة للمستقبل الذي تسعى الأمم المتطورة إلى استشرافه وبناء الحاضر على أساس توقعاته. وما نراه ونلمسه من تأثير كبير للإعلام الجديد الذي وجد في التكنولوجيا وسيلته لترسيخ مكانه ومكانته في عصرنا اليوم، يؤكد بالوقائع والشواهد، قدرته على قيادة الأفراد والأمم إلى اتجاهات بعيدة ومختلفة.

ونظراً لأن التأثير في وعي المجتمع ومدارك أفراده، هدفه الاستراتيجي المتجدد مع تعاقب الزمان وقفزات التطور التكنولوجي، تقوم مؤسسات إعلامية في دول أو مجتمعات تعمل في مظلتها وسائل الإعلام المحلية، ضمن نظام عام لا يخلو من قيم الحرية والمعرفة والعلم والأخلاق واحترام الغير.

من هنا، تقوم هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون بدورها في ترسيخ المفاهيم القيمة المستقاة من أهدافها التي بدأت صياغتها منذ نشأة تلفزيون الإمارات العربية المتحدة من الشارقة عام 1989، مع توصية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عند افتتاح التلفزيون للعاملين فيه، بأن يكون ضيفاً خفيفاً على كل بيت، وجعله منارة من منارات الثقافة والفكر والأدب والقيم الأصيلة في المنطقة.

ومنذ ذلك الحين وتلفزيون الشارقة حريص على اتباع نظام خاص به في إنتاج البرامج، أو استيراد المنتج الإعلامي من الخارج، بحيث لا يخرج عن الإطار العام الذي أوصى به صاحب السمو حاكم الشارقة، ويستند في الوقت ذاته إلى الأبعاد الجديدة للإعلام وتقنياته المتطورة، التي تزيد الرسالة الإعلامية قوة في التأثير، وسرعة في الوصول إلى مستهدفيها. كما يراعي حاجة المشاهد لموضوعات تهمه مناقشتها وطرح رأيه فيها، وتبنّي المقترحات التي تتسق مع الخط العام للتلفزيون.

ومن خلال متابعتنا مؤخراً لبعض البرامج التي يبثها تلفزيون الشارقة والقناتان التابعتان له (الوسطى والشرقية) خاصة في شهر رمضان، لمسنا حضوراً متميزاً مع ما واكبه من إشادات من قبل الجمهور الذي تحرص الهيئة بين آن وآخر، على استفتاء رأيه في ما تقدّمه، وتبنّي بعض الإشارات التي تؤدي إلى وضع خطط لبرامج جديدة أو تطوير البرامج المذاعة، فقد لمسنا أداء متميزاً للمذيعين الشباب والشابات الإماراتيين، يعكسه الظهور بثقة، والحوار بثقافة لافتة ومسؤولية تجاه مجتمع لا يزال محافظاً على انتمائه لتراثه وأميناً على بيئته.

ولعل إعلاميي القناتين (الوسطى والشرقية) يستحقون إشادة خاصة بما يقومون به من مسؤولية التعريف بمناطقهم البرية والصحراوية، والتحاور مع كل أطياف المنطقة كباراً وصغاراً في أحاديث وحكايات، بلغة تتسم بمعرفة عميقة بالبيئة وأصالتها وتراثها مثل برنامج «من عبق البادية»، وبرنامج «عادات من الماضي»؛ إذ لا أحد يقدّم معرفة عن بلدك إلا ابن بلدك.. فمن الجميل أن يطل عليك إنسان يشبهك في الملامح واللغة والثقافة، ليربط التاريخ بواقع اليوم، متطلعين بهمة إلى المستقبل الذي توضع أسسه في الوقت الحاضر. ولعل في هذه الأحاديث مفاتيح لأبواب السياحة مما كان لافتاً لأشقائنا في الخليج، والذين يتواصلون مع المكان والإنسان في هذه المنطقة من دولة الإمارات، فقد وجدوا في هذه البرامج التي يقدمها شبابنا الإعلاميون، وسيلة للتعرّف عن قرب إلى بيئاتنا المختلفة خاصة البرية، والوقوف على مزاياها السياحية والتاريخية.

ويقف تلفزيون الشارقة ببرامجه الجديدة ليعطي هذا البعد الإماراتي عمقاً، حين يتناول نماذج لشخصيات لها تجاربها وأفكارها وتطلعاتها غير المحدودة عبر برنامج «الملهمون» الذي بدا مختلفاً في الإعداد والإخراج وفي التقنيات المستخدمة لإظهار الصورة والكلمة في تناغم يجعلنا نتابع برنامجاً استثنائياً، كان واضحاً فيه مجهود فريق العمل، فضلاً عن مجهود الضيف الملهم.

ولا تزال هناك برامج مستمرة في أداء رسالتها طوال العام، نشعر بأنها ملاذ لأسئلة الحياة والدنيا والدين في زمن نحتاج فيه إلى تقوية وجود القيم الإسلامية السامية في كل شيء، في الفكر والسلوك وغيرهما.. وما يتحقق من التفاف حول برنامج «الفتاوى» يؤكد حاجة الناس في العالم كله إلى ما يحقق صفاءهم الروحي ويدلّهم على السبيل السليم في التعامل مع الغير، ويدفعنا للاعتزاز بالانتماء لهذا الدين العظيم الذي تنبع منه مجموعة القيم الإنسانية التي تقدم في لغة سلسة وقريبة من المشاهد في برنامج «ورقات». ويأتي برنامج «إسلامنا حضارة» الذي يقدمه بهمة، الباحث والإعلامي المثقف عوض بن حاسوم الدرمكي، عرضاً يوثّق مجدداً ما قدمه الإسلام للإنسانية من علوم ومعارف واختراعات ومنتجات ارتقت بالإنسان وبأسلوب معيشته، متصفحاً محتويات متحف الحضارة الإسلامية في الشارقة وما فيه من مشاهد للتحضر سنظل نعتز بها. ففي هذا البرنامج تذكير لنا لا بد منه، وتعريف لأجيالنا الشابة بما كان للمسلمين من دور في تأسيس هذه الحضارة، وهو لا يتعارض مع جهود تعريف العالم بهذا الدور عبر المشروعات الفكرية والثقافية التي تعد رسائل عملية تؤكد لهم أننا أصحاب حضارة عظيمة أنقذت العالم من ظلمات الجهالة، وأخرجته منها إلى نور المعرفة والعلوم المختلفة، وهو النهج الذي يسير عليه من جانب آخر، برنامج عنوانه «أولئك آبائي».

وللبرامج الاجتماعية والصحية وبرامج التنمية الذاتية التي يقدمها شباب يحلمون بتغيير مجتمعهم إلى الأفضل، مكانها في قائمة ما يبث عبر شاشات هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، ونجاحها في الوصول للمشاهد، وما أتمناه أن يدعم إعلاميونا الشباب، تجربتهم هذه، بالثقافة والاطلاع المستمر على مستجدات الإعلام في العالم بما فيه الإعلام الجديد، وأطمح إلى وضع تصورات لبرامج مهمة بأفكار غير مسبوقة نابعة منهم، تُنفّذ بإبداع لافت، حتى يأتي الوقت الذي نتوقف فيه عن استيراد برامج غير التي نضع لها موازنات ضخمة، وهي ليست أصيلة ولكنها معربة أو مترجمة، أو مقتبسة من الإعلام الخارجي.

لكل من يقف وراء نجاح هذه البرامج وغيرها من معدّين ومقدمين وأطقم فنية، الشكر والتقدير، ولهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون خاصة، على جهود التطوير الواضحة في قنوات الشارقة الفضائية، وهي جهود تعكس رؤيتنا في الإعلام الهادف الذي يستند إلى أحدث التقنيات الآلية والفكرية المستخدمة في الإعلام المرئي، وتقديرنا أيضاً لاستمرارهم في مراعاة القيم الأسرية واهتمامهم ببرامج حماية التماسك العائلي.

نشكر للهيئة احتضانها للمبدعين الشباب الذين أرادوا أن تكون الشاشة نافذتهم للتعبير عن إبداعهم وأفكارهم، فوفرت لهم برامج تدريبية تؤهلهم لأخذ مكانهم في هذه المهمة بجدية ومسؤولية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"