عادي

العراق.. «داعش» يستعيد أنفاسه

21:26 مساء
قراءة 4 دقائق
المدفعية تقصف مواقع ل'داعش' في غرب الموصل (رويترز)

د. أحمد سيد أحمد *

يمثل تصاعد عمليات تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق مؤخراً جرس إنذار واضح للدولة والمؤسسات العراقية والمجتمع الدولي، ويؤكد أن خطر التنظيم ما زال مصدر تهديد أساسياً لأمن العراق واستقراره وكذلك للسلم والأمن الإقليميين.

شهدت بعض المحافظات العراقية مثل ديالى وصلاح الدين ونينوى والأنبار زيادة ملحوظة في عمليات التنظيم؛ حيث قام بشن عدد من الهجمات في قضاء الرطبة بمحافظة الأنبار غربي البلاد خاصة على الطريق السريع بين العراق والأردن، مستهدفاً قوات الأمن العراقية والمواطنين؛ حيث قامت عناصر التنظيم بإقامة نقاط تفتيش وهمية على الطريق السريع وتوقيف المواطنين العابرين وقتلهم، إضافة إلى استهداف عدد من عناصر الأمن العراقيين ضمن ما يعرف ب«غزوة رمضان»، ووقوع مواجهة في قضاء الطارمية لإدخال التنظيم لعناصر انتحارية إلى بغداد، كذلك وقوع مواجهات في تلال حمرين شرقي بعقوبة أدت إلى إصابة ثلاثة جنود عراقيين.

إثبات الوجود

يسعى تنظيم «داعش» من وراء تصاعد وتيرة عملياته الأخيرة في العراق خاصة في الأنبار لإثبات أنه ما زال موجوداً على الرغم من الهزائم المتكررة التي تعرض لها وعلى الرغم من الضربات الأمنية ضد عناصره واغتيال قادته وتدمير الكثير من بنيته الأساسية من الأسلحة والمتفجرات والعتاد العسكري، وأنه قادر على توجيه ضربات أمنية في الداخل العراقي، وكذلك توجيه رسائل للخارج وقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة.

كما يستهدف التنظيم أيضاً إظهار فشل وعجز الدولة والمؤسسات العراقية خاصة الأمنية فى مواجهته، وأنه على الرغم من الحملات الأمنية فإن التنظيم ما زال نشطاً وقادراً على توجيه الضربات. كذلك يسعى التنظيم من وراء هذه الهجمات المتكررة توجيه رسائل دعم معنوية لمناصريه بأنه ما زال متواجداً على الأرض وذلك لاستقطاب عناصر جديدة بعد الخسائر الكبيرة في صفوفه.

الإرادة الصلبة

نتيجة لتصاعد خطر التنظيم وتزايد عملياته الإرهابية قامت قوات الأمن العراقية بإطلاق المرحلة الثانية من العملية العسكرية المعروفة باسم «الإرادة الصلبة» في خمس محافظات لمواجهته والقضاء عليه وعلى عناصره خاصة في قضاء الرطبة، وذلك تحت إشراف مباشر من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي قام بزيارة القضاء، وهي أول زيارة لرئيس وزراء عراقي للمنطقة منذ أكثر من عقد ما يعكس إدراك الدولة العراقية لخطورة التنظيم وإلى الجدية والأهمية التي توليها للقضاء عليه ومنع صعوده مرة أخرى كما حدث في عام 2014. ووجه الكاظمي رسائل واضحة من القضاء؛ حيث قال: «نحن نسجل الانتصارات وانتم تخسرون يومياً ًوليس هناك خيار أمامكم سوق الموت».

وشاركت في عملية الإرادة الصلبة قوات مكافحة الإرهاب وقوات النخبة والقوات الخاصة، إضافة إلى عناصر من الحشد الشعبي، وعلى الرغم من الظروف الجوية السيئة، فقد تم القضاء على عناصر التنظيم في منطقة الرطبة خاصة المسؤول الأمني وتم تأمين الطريق السريع المار بالقضاء الذي يربط العراق بالأردن.

المواجهة الشاملة

لا شك أن تكرار عمليات «داعش» مؤخراً في العراق يأتي في سياق عدد من العمليات التي قام بها التنظيم في السنوات الأخيرة ما بين عمليات تفجير لسيارات مفخخة في المدن العراقية كما حدث في كركوك وبغداد وما بين استهداف المدنيين في الأسواق أو محاولة فرض سيطرته على بعض القرى والمناطق النائية خاصة في محافظة الأنباء التي تشكل ثلث مساحة العراق؛ حيث يعتمد التنظيم على أسلوب حرب العصابات والكر والفر، من خلال الاختباء وسط المدنيين عبر خلاياه النائمة، ثم يقوم بشن عمليات خاطفة ضد عناصر الأمن والأهداف المدنية ما بين الحين والآخر مستغلاً وجود بعض الثغرات الأمنية في المناطق النائية القريبة من الحدود في غربي العراق. كما يستغل التنظيم الطبيعة الجغرافية للأنبار وديالى ونينوى والمستنقعات والصحارى الشاسعة للاختبار والتخطيط وتخزين الأسلحة والانطلاق منها إلى المدن العراقية.

والواقع أن هناك ارتباطاً بين الأزمة السياسية التي يعيشها العراق منذ الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي واستمرار حالة الانسداد السياسي وبين تصاعد عمليات التنظيم الذي يوظف الثغرات الأمنية ويستغل الصراع السياسي في إيجاد ثغرات ينفذ منها لشن عمليات.

المواجهة الشاملة

كما استغل تنظيم «داعش» قيام الإدارة الأمريكية بتقليص عدد القوات الأمريكية في العراق في تجميع صفوفه وتعويض خسائره البشرية والعسكرية؛ حيث تراجعت الضربات الجوية الأمريكية ضد أهداف ومواقع التنظيم جراء انشغال العالم وأمريكا حالياً بالحرب الأوكرانية.

إن مواجهة تنظيم «داعش» والقضاء عليه ومنع عودته مرة أخرى يتطلب المواجهة الشاملة الأمنية والسياسية والاقتصادية:

أولاً: المواجهة الأمنية من خلال اتباع نفس أسلوب «داعش» وهو حرب العصابات فالتنظيم لا ينفع معه المواجهة التقليدية لأنه يعتمد على الكر والفر والاختفاء وسط المدنيين وهو ما يتطلب بالأساس المواجهة الاستخباراتية والمعلوماتية وتوجيه ضربات استباقية ضد عناصر التنظيم قبل القيام بعملياته لأن التحرك الأمني العراقي يكون غالباً رد فعل وبعد قيام التنظيم بشن عملياته ومن المهم أيضاً الاعتماد على الطائرات المسيرة والأقمار الاصطناعية في رصد حركة عناصر التنظيم عبر المناطق العراقية وإجراء مسحٍ ضوئي لمقراته وأماكنه خاصة في صحراء الأنبار الشاسعة. إضافة إلى تقوية أجهزة الأمن العراقية وتزويدها بالأسلحة الحديثة وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين القوات العراقية وقوات التحالف الدولي لرصد عناصر التنظيم ومصادر تمويله.

ثانياً: المواجهة الاقتصادية من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية ومواجهة مشكلات الفقر والبطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية وغياب الخدمات الأساسية من مياه نظيفة وكهرباء وغيرها؛ حيث يستغل التنظيم هذه الأوضاع لتجنيد عناصر جديدة واللعب على وتر التدهور الاقتصادي وانتشار الفساد.

ثالثاً: المواجهة السياسية من خلال الخروج من حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد منذ ستة أشهر والإسراع باختيار رئيس الجمهورية واختيار رئيس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي لأن استمرار الانسداد السياسي يصب في مصلحة تنظيم «داعش».

لا شك أن عملية الإرادة الصلبة ستسهم في الحد من خطر «داعش» لأن القضاء عليه تتطلب المواجهة الشاملة وتكاتف الطبقة السياسية العراقية لإعلاء مصلحة البلاد ومعالجة جذرية لأسباب صعود تنظيم «داعش» فهو عرض لمرض.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"