عادي

تعاليم الدين.. حماية للنفس والمجتمع

21:41 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني
أكد عدد من كبار علماء الإسلام والطب النفسي والتربية، أن تعاليم الدين تمثل حائط الصد الأقوى لمواجهة الانتحار الذي لجأ إليه بعض الشباب في بلدان عربية خلال الفترة الأخيرة. وشدد العلماء والاختصاصيون على ضرورة مواجهة المشاعر السلبية في نفوس شبابنا، ومساعدتهم على حل مشكلاتهم، حتى لا يدفعهم الإحباط واليأس إلى التخلص من حياتهم.

يؤكد د. محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن مشكلة الانتحار تفرض نفسها على واقعنا العربي، وتحتاج إلى معالجات نفسية واجتماعية ودينية واقتصادية، حتى نتعامل معها بشكل صحيح.

يقول: هناك مشكلات نفسية تدفع إلى الانتحار، فكثير من المنتحرين وصلوا إلى مرحلة متقدمة من الاكتئاب والتأزم النفسي، نتيجة ما يعانونه من أسباب خارجية، فالاكتئاب ليس مرضاً مستقلاً بذاته، ولكنه يأتي دائماً وليد معاناة من مشكلة أو مشكلات مستعصية على الحل في نظر المنتحرين.

ويؤكد أن الدراسات النفسية والاجتماعية التي رصدت مشكلة الانتحار في عالمنا العربي أثبتت أن هذه المشكلة تقل بنسبة كبيرة بين المتدينين. ويضيف: المتدين يعلم جيداً عواقب الانتحار الدينية، ولذلك في الغالب لا يقدم على التخلص من حياته. ولذلك من المهم أن نحصن أولادنا بقدر جيد من الثقافة الدينية سواء من خلال الأسرة، أو التعليم، أو من خلال أدوات التوجيه الديني، أو وسائل الإعلام.

تحريم

1
د.عباس شومان

د. عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، يقول: النفس البشرية محل عناية ورعاية من شريعتنا الإسلامية الغراء، ليس نفس المسلم فقط، ولكن النفس بصفة عامة، ولا يخفى أن من مقاصد شريعتنا العظمى التي جاءت لتحفظها للناس «النفس البشرية»، ولذلك تعددت الأدلة القرآنية على تحريم الاعتداء على النفس بالقتل أو ما دونه، وجعلت إزهاق الروح الواحدة بمثابة إهلاك البشرية.

ويضيف: تحريم قتل النفس في شريعتنا ليس عدواناً مقصوراً على قتل الغير، بل هو جريمة أشد إذا كانت على نفس القاتل، فنفسه التي بين جنبيه ليست ملكاً له يتصرف فيها كيف يشاء، فهو نفسه مطالب بحفظها عن كل ما يضر بها، بداية من التغذية الصحيحة، ومروراً بتجنيبها الهموم التي تعرضها للضعف والوهن، وعلاجها إن مرضت، وانتهاء بعدم تعريضها للهلاك: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، و«ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما»، ومن الوعيد الشديد الوارد في قتل الإنسان لنفسه قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَديدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِها في بَطْنهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا»، وهذا الوعيد الشديد لم يرد مثله في قاتل غيره، ولذلك لا ينبغي إهمال حوادث الانتحار التي تقع في بلادنا الإسلامية، خاصة العربية، حيث ينبغي بحث أسبابها، والتعامل معها باهتمام، لأن لها خطورتها على الفرد الذي يفقد حياته، والمجتمع الذي تهز مشاعره وتؤلمه هذه الجريمة النكراء، خاصة أهل المنتحر وأحبته، وتورث قلقاً في نفوس الآباء والأمهات على أولادهم الذين يعيشون ظروفاً مماثلة لظروف المنتحرين. ويطالب د.شومان بتكثيف التوعية الدينية ضد جريمة الانتحار ليعلم كل من يفكر فيها أنها أبشع من جريمة قتل الإنسان لغيره، حيث إن المنتحر يموت بجريمته دون وجود احتمال توبة منه، بينما قاتل غيره قد يتبرأ من جريمته بنيل العقوبة، أو بعفو الأولياء عنه.

وعن واجب علماء الدين واختلافهم في الحكم على المنتحر، وما يدور من جدل وخلاف فقهي حول العقاب الشرعي لكل من يقدم على الانتحار يقول د. شومان: دور العلماء بشكل عام هو بيان الأحكام الفقهية دون إسقاطها على الأشخاص، ولذا فإن دور العلماء يقتصر على التحذير من الإقدام عليه، وبيان سوء عاقبته كما حملتها النصوص.. ولكن ليس من حق أحد أن ينزل الحكم على شخص قتل نفسه، فهو لا يعلم بحاله.

لا مبرر

1
د.سعد الدين الهلالي

د. سعد الدين هلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، يحذر من تبرير جريمة الانتحار، والتماس الأعذار للمنتحر، لأن هذا السلوك من شأنه تسويغه للمراهقين والشباب. ويقول: الانتحار عدوان صارخ على حياة الإنسان، حيث لا يملك روحه، والخالق عز وجل يجرم العدوان على النفس البشرية سواء أكان من إنسان على آخر، أو من الإنسان على روحه. والانتحار لا يجوز أن يكون وسيلة لدفع الظلم، بل لا يليق أن يزعم أحد ذلك. والانتحار هزيمة أمام النفس، ولا يتصور أن يكون المهزوم بطلاً.. وأيضاً فإن الانتحار فرار من المواجهة ولا يصح تكريم الفارين بصفة الشهادة.

ويضيف: دفع الظلم والعدوان يحتاج إلى إنسان قوي يواجه قدره لا أن يفر منه، وإذا كان الظالمون أقوي من الإنسان المظلوم فله أن يواجههم وفقاً للأصول المتبعة، والقوانين المنظمة، حتى لا يتحول الدفاع عن الحق إلى عدوان.. وإذا فقد الإنسان المظلوم حياته وهو يدافع عن نفسه أو حقه فهو من الشهداء.

الالتزام الديني صحة نفسية

1
د. يسري عبد الحسن

د.يسرى عبد الحسن، أحد رواد الطب النفسي في العالم العربي، يتفق مع د. المهدى، في أهمية تحصين الأطفال والشباب بجرعات كافية من الثقافة الدينية. ويقول: لا شك أن للالتزام الديني تأثيراً إيجابياً في الحالة النفسية والمزاجية للإنسان، فالتدين المستنير يحميه بنسب كبيرة من الأزمات النفسية التي قد تدفعه إلى الإضرار بنفسه أو بالآخرين. ولا شك أن الإنسان غير المتدين والذي يسلم نفسه للأفكار الشيطانية، ويستحل السلوكيات الخاطئة والتجاوزات الأخلاقية، يكون فريسة سهلة للأزمات النفسية، ومثل هذا الإنسان قد يضر بنفسه عن طريق الانتحار، وقد يلحق الضرر بالآخرين كما رأينا في جرائم عنف كثيرة في البلاد العربية، وحتى في أوروبا؛ حيث يعيش معظم الشباب في رغد من العيش، وحرية شخصية تبيح له فعل ما يشاء من سلوكيات شخصية، ومع ذلك ترتفع نسبة الانتحار في الغرب عنها في البلاد العربية.

ويضيف: راقب بعض أطباء النفس تأثير العبادات الإسلامية في الحالة الصحية والمزاجية للإنسان، وثبت أن لها تأثيرات إيجابية، فهذه العبادات كما نفهم من أهدافها ومقاصدها التي يتحدث عنها بصورة أعمق علماء الدين تستهدف إصلاح الإنسان من الداخل، وضبط علاقاته بالآخرين، ولو نظرنا لكل فريضة على حدة لوجدنا أن لها مكاسب ومنافع عديدة من الناحية الروحية والصحية، وأعني الصحة النفسية والبدنية.

الصلاة مثلاً تهذّب سلوكيات الإنسان، وتربطه بخالقه، وتصرفه عن سلوكيات خاطئة كثيرة،

أما الصيام فهدفه، كما جاء في القرآن الكريم، التقوى، وهي كلمة شاملة جامعة لحالة سلوكية ومزاجية نادرة، والإنسان الذي يتحلى بصفة التقوى تلتقي فيه كل الفضائل، ويعيش في سعادة حقيقية، فهو قانع بما رزقه الله به، وهو مدرك لرسالته في الحياة، ويعرف أنها مجرد رحلة وسوف تنتهي. ولذلك لا يظلم ولا يسيء لغيره. أيضاً من يحرص على أداء الزكاة والعطف على الفقراء والمحتاجين هو إنسان خيّر يعيش حالة من الرضا الداخلي ويحظى بحب واحترام وتقدير الناس.

من هنا فإنه ليس من قبيل الدجل والشعوذة الطبية أن يعتمد كثير من أطباء الأمراض النفسية والعصبية المسلمين على البعد الديني في دراساتهم لأحوال مرضاهم والتعامل مع الالتزام الديني كإحدى أدوات العلاج التي تحقق نتائج مبهرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"