عادي

هل يسمع العالم صرخات الجياع؟

21:25 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب – بنيمين زرزور:
ليس الحديث عن معاناة سكان القرن الإفريقي جديداً، فهذه المنطقة التي تعاني مجموعة من العلل على رأسها النزاعات والحروب، تقدم النموذج الأمثل للتفاوت الصارخ بين شمال العالم وجنوبه من حيث مستويات المعيشة والخدمات الحكومية، فضلاً عن المظالم التي خلفتها حقبة الحروب الاستعمارية، بينما تتفاقم مشاكلها اليوم بسبب الجفاف والوباء.

تزامناً مع إطلاق كافة أجراس الإنذار عالمياً، من مآل ينتظر أغنياء العالم قبل فقرائه جراء ويلات حرب عالمية تتزايد احتمالاتها يومياً، وجراء شح الغلال والمواد الغذائية في غياب المحاصيل الأوكرانية والروسية، وتقطع سبل الخدمات اللوجستية، تنشر الصور التي تبثها وسائل الإعلام العالمية عن الجوعى في القرن الإفريقي من البشر وحيواناتهم، رعباً من نوع آخر ممزوجاً بمرارة الإحساس بالعجز.

وقد فقدت اللغة والكلمات التي تستخدمها إنذارات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، قدرتها على التأثير في أسماع صناع القرار السياسي في الدول الغنية الذين طغت على أجنداتهم مطالبات توفير الدعم لحلول ملحة لعدد من المشاكل الكبرى التي يواجهها عالم اليوم، بدءاً من الاحتباس الحراري وانتهاء بالركود الذي ضرب اقتصادات الدول الفقيرة بسبب كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا التي غطت على ما سواها.

كارثة إنسانية

إلا أن ذلك لا يعني أن تكف المنظمة عن الصراخ وتستمر في جهودها بما تيسر، وهي التي تعرف تفاصيل الواقع المرير في دول مثل الصومال وكينيا وإثيوبيا. وقد دفع الجفاف المستمر منذ أشهر منطقة القرن الإفريقي كلها إلى شفير كارثة إنسانية، بعدما تسبب بتلف المحاصيل، ونفوق المواشي، ودفع أعداداً كبيرة إلى النزوح بحثاً عن الطعام والمياه.

وتشير التوقعات الخاصة بالدول الثلاث، وهي الأشد تضرراً، إلى أنّ حوالي 25.3 مليون شخص سيعانون انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد بحلول منتصف عام 2022، وفي حال تحقق هذا السيناريو، سيشهد القرن الإفريقي إحدى الأزمات الغذائية الأوسع نطاقاً في العالم.

وتزداد المخاوف المترتبة على استمرار موجات الجفاف المدفوعة بظاهرة النينيا للموسم الثالث على التوالي، من حدوث أزمة جوع على نطاق واسع إن لم تحصل المجتمعات المحلية الريفية المنتجة للأغذية على مساعدات كافية لتلبية احتياجات المواسم الزراعية المقبلة.

وفي إقليم مهدد بالمزيد نتيجة الظروف المناخية الاستثنائية، ومحدودية الموارد الطبيعية وكثرة النزاعات، أدت جائحة كورونا وغزو الجراد خلال الفترة 2020-2021، إلى استنزاف قدرات المجتمعات الريفية على التعامل مع هذه الظروف إلى أقصى حدّ ممكن، ما أدى إلى تقويض أسس الإنتاج الزراعي والقضاء على مقوماته.

ومع مرور نحو شهر على بدء موسم الأمطار التي لم تهطل بعد، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن عدد الجياع من جراء الجفاف قد يرتفع من 14 مليوناً، إلى 20 مليوناً خلال عام 2022.

ويواجه ستة ملايين شخص في الصومال، أي نحو 40% من سكان البلاد، انعداماً للأمن الغذائي بمستويات قصوى، وفي كينيا، تتهدّد المجاعة نصف مليون شخص، خاصة في شمال البلاد. وارتفع عدد الكينيين المحتاجين إلى مساعدات أكثر من أربعة أضعاف في أقل من سنتين، وفق البرنامج الأممي.

وتخطّت معدّلات سوء التغذية في جنوب وجنوب-شرق إثيوبيا عتبة الطوارئ. وحذّرت «فاو» من أن أنحاء تعاني الجفاف في منطقة القرن الإفريقي ترزح كذلك تحت وطأة تداعيات النزاعات الدائرة فيها والفقر وموجات الجراد.

إغاثة عاجلة

وتقول المنظمة الأممية إن تداعيات شح التمويل ستكون كارثية، فهي بحاجة إلى جمع 473 مليون دولار كإعانات إغاثة عاجلة للأشهر الستة المقبلة، بينما لم تجمع حملة سابقة سوى 4% من المبلغ المطلوب. وتعاني المنظمة نقصاً في التمويل تتجاوز نسبته 60% لتأمين احتياجات 1.5 مليون شخص في البلدان الثلاثة.

وقال المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق إفريقيا مايكل دانفورد: «علّمتنا التجارب السابقة ضرورة الاستعداد مسبقاً لمنع وقوع كارثة إنسانية، لكنَّ قدرتنا على التحرك وسرعة الاستجابة محدودة لشح التمويل».

ومن شأن الخطة التي وضعتها المنظمة، إذا ما حظيت بالتمويل الكامل، أن تتيح إنتاج ما يصل إلى 90 مليون لتر من الحليب وما يصل إلى 44 ألف طن من المحاصيل الغذائية الأساسية خلال النصف الأول من عام 2022، ما قد يسهم في حماية أكثر من مليون شخص يعانون الجوع، لمدة ستة أشهر على الأقل.

وقد يضع تدخل المنظمة الأساس لتحقيق الاستقرار والأمن الغذائي على المدى الطويل، من خلال السماح للسكان بالبقاء في موطنهم ومواصلة إنتاجهم والحفاظ على سبل معيشتهم، وزيادة قدرتهم على الصمود.

وفي محاولة من المنظمة للتخفيف من تداعيات الحرب، دعت إلى إنشاء مرفق عالمي لتمويل استيراد الأغذية بهدف مساعدة البلدان الفقيرة على التعامل مع ارتفاع الأسعار، بعدما بلغت أرقاماً فلكية في الكثير من هذه الدول التي لا طاقة لسكانها على توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة. لكن حتى الآن لا تزال هذه الدعوة تنتظر من يشارك فيها.

وكانت موجة جفاف شديدة قد تسببت عام 2011، في تفشي المجاعة في الصومال، ما أودى بحياة 260 ألف شخص بسبب الجوع، وقد توفّى معظمهم قبل إعلان المجاعة رسمياً.

ومما يثير القلق، أن العالم غاطس حتى أخمص قدميه في نزاعات تهدد بالتفاقم، بعد إشعال فتيل الحرب في أوكرانيا وتعميق سياسات المحاور التي تطال الاقتصادات الكبرى من خلال سلسلة العقوبات المتبادلة بين الأطراف والتي تنعكس سريعاً على حركة التجارة العالمية وتنذر بكوارث متشابكة.

تداعيات الحرب

ومن الواضح أن منعكسات الوضع المستجد سوف تظهر قريباً في ارتفاع أسعار السلع الرئيسية والمكملة وقد بدأت فعلاً. وهذا يهدد الملايين من سكان العالم الذين يواجهون صعوبات في تأمين أساسيات معيشتهم اليومية والبقاء على قيد الحياة.

وتشير تقديرات «فاو» إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع بسبب الحرب، خاصة الحبوب التي ترتفع بنسة 20% في حال استمرت الحرب حتى نهاية العام الحالي. وهذا يعني أن عدد الجوعى في العالم سوف يرتفع حسب المنظمة خلال السنوات الأربع المقبلة بنحو 14 مليون شخص فوق العدد الحالي الذي يتجاوز 800 مليون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"