خط عتيق رحيمي

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

يتحدث المخرج الأفغاني «عتيق رحيمي» عن الخط العربي، كما لو أنه في لحظة وجد صوفي أو في لحظة سحر، مأخوذاً، بل، مغرماً بالحرف، كأنه العشق أو روح العشق حتى أقصى مدى في ذاته المُرَكَّبة من أكثر من ثقافة.
ولد «عتيق رحيمي» في كابول العام 1962، وفي 1984 هرب من الحرب في بلاده، وطلب اللجوء إلى فرنسا، وحصل عليه، ودرس في السوربون علوم السمعيات البصرية، كما تقول سيرته، وقبل ذلك حصل على الجنسية الفرنسية، وأخذ يكتب بها، ويكتب أيضاً بالفارسية، ولكنه عند نقطة فارقة في حياته، اتجه إلى الخط العربي الذي حوّله من حروف إلى أجساد أو إلى كائنات حية، بشرية، إنسية، بمرونة فائقة الخفّة والغنائية، كما يوصف الشعر.
اللغة الأم لعتيق رحيمي هي الأفغانية (البشتوية) التي تقوم على الحرف العربي وتتخذ منه أبجدية بشتونية من 46 حرفاً، وفي كتاب صغير خفيف له بعنوان «أنشودة القلم».. يجعل من القلم والخط العربي وعشقه للخط شاعراً، في رأيي الشخصي.. أكثر منه مخرجاً سينمائياً، وهو يكتب لنفسه ولنا كتاباً جميلاً تتصفّى فيه شعرية نقيّة تماماً، بدءاً من حديثه عن القلم وليس انتهاء بحديثه العفوي البسيط عن الخط بل عن خطوط اللغات التي أذهلته وسكنته مثل الخط الصيني على سبيل المثال.
المنفى، فكرة محورية في كتابة عتيق رحيمي، ولكنه ليس المنفى المضاد لشخصيته وكينونته، بل هو المنفى المفلسف والمُتَأمّل بعد خروجه من أفغانستان ولجوئه إلى فرنسا التي أعطته شيئاً بل كثيراً من النور الموجود في الخط العربي.
رجل بسيط بقبّعة تشبه قبّعات رعاة البقر في أمريكا، ولكنه في كل كتابه هذا لم يُظهر ولا ذرة إعجاب بثقافة الكاوبوي ولغته الإنجليزية التي، كما يبدو، لم تلهمه أية جمالية خطوطية كما في العربية أو في الصينية أو في الهندية، حيث غرق بالهند في شبكة من الأديان والفلسفات التي ستحوّله أيضاً إلى شاعر.
شخصياً، أحب مثل هذه الكتابة العفوية، التلقائية في «أنشودة القلم». كتاب يُقرأ في يوم واحد أو أقل من يوم، تعرف من خلاله كيف يتحوّل مصير الإنسان من مرشّح للموت أو الحرق في عنف الحرب إلى إنسان شفّاف، راقٍ متحضر، مدني وجميل تماماً وهو يرسم، ويكتب، ويخط، ويصنع أقلاماً جميلة مثله.
يبلغ عتيق رحيمي الآن من العمر ستين عاماً، منها نحو أربعين عاماً في باريس، يجلس على مقاهي الرصيف ويأكل بأناقة وهدوء أو يشرب القهوة في الصباح من دون أن تنفجر بالقرب منه قنبلة، أو يصرخ في وجهه رجل خشن مُفخّخ بالكلاشينكوف.
لن أبتعد عمّا قاله عتيق رحيمي عن الخط العربي. هنا يكتب رحيمي عن الخطاط العراقي غاني العاني، ويتمثل تماماً قول العاني: «لا يمكن للمرء أن يكون خطاطاً إذا لم يكن على علاقة حميمية مع القرآن والتراث النبوي.. ولم أعثر على خطاط استطاع أن يفصل عمله الفني عن مسعاه الروحي».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"