فرنسا.. هزيمة لليمين والعنصرية

00:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

انتهت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بفوز الرئيس إيمانويل ماكرون بفترة رئاسية جديدة، وهزيمة المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان. هذه النتائج اعتبرها المراقبون متقاربة، وإن ما حصلت عليه لوبان من أصوات يعتري انتصاراً لها، ما يعني أن السياسة التي تتبناها باتت أكثر حضوراً في المشهد السياسي الفرنسي. وبالعودة إلى تاريخ الحزب، بدأ تنافس الحزب اليميني في الانتخابات منذ عام 1974. وفي تقرير نشرته صحيفة «ذا ناشينال» يوم الإثنين 25 إبريل/نيسان الماضي، ذكرت فيه أن الفرنسيين لم يقتنعوا بمنهجهم القائل إن فرنسا المكتوب على مبانيها العامة «الحرية والمساواة والأخوّة» ستكون أكثر أماناً وثراء لو فازت لوبان، والتي حتماً كانت ستنفّذ خطتها لمحاربة الأجانب وما تسميه ب «الإرهاب الإسلامي» وهي تشمل تجريد جزء من سكان فرنسا – وبخاصة المسلمات - من جزء كبير من حرياتهن وهو ارتداء الحجاب.

 على الصعيد الدولي، أرادت لوبان منذ ظهورها وحزبها على الساحة، محاولة إضعاف علاقات فرنسا مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وهي خطوات كانت حتماً ستؤثر ليس في علاقة فرنسا بتلك الدول فقط، وإنما في «هندسة السلام في أوروبا» بحسب تعبير الصحيفة.

 بالطبع، استطاع ماكرون إفشال مخطط لوبان على الرغم من أنه لم يستطع خلال ولايته الأولى تحقيق كافة الأهداف التي حددها لنفسه، حينما تعهّد في إحدى خطبه بسحب البساط من تحت أقدام لوبان، وامتصاص غضب الناخبين الذي تستغله الأخيرة. يومها قال: «سأفعل كل شيء في السنوات الخمس المقبلة للمواطنين الفرنسيين، وسأسحب البساط من تحت أقدام المتطرفين»، إلا أن ما حدث في الانتخابات الأخيرة والأصوات التي حصدها اليمين المتطرف كانت دليلاً على أن ماكرون لم يستطع تنفيذ كافة وعوده. فوفقاً لما ذكره مراقبون، فإن اليمين في فرنسا يعمل الآن بشكل أفضل من أي وقت مضى؛ حيث يجد جماهير متنامية يستمعون لخطابه المتطرف. ولوبان لم تنته سياسياً وهي تعد باستكمال الطريق، وأنها ستخوض منافسة جديدة في الانتخابات التشريعية الشهر المقبل.

 إن تجاوز نسبة 40٪ من الأصوات التي حازتها لوبان يؤهلها لتكون شريكة سياسية رئيسية في بلدها. وهذه سابقة لم تحدث في فرنسا، منذ أن تغلّب الجنرال شارل ديغول على فرانسوا ميتران بنسبة 55% إلى 45% في عام 1965. لقد حصدت لوبان تلك النسبة من التصويت في الانتخابات لأسباب عدة، لعل من أهمها: خروجها في السنوات القليلة الماضية وتحديداً بعد تولي ماكرون الحكم لتدافع عن القضايا الاجتماعية مثل غلاء المعيشة، وحقوق الطبقة العاملة. والأهم أنها عمدت إلى تطوير حزبها بعد إقصاء والدها عن زعامته لجعله أكثر قبولاً. وبذلك تمكنت من الحصول على أكثر من 13 مليون صوت.

لقد تنفس حلفاء فرنسا الأوروبيون الصعداء كما العديد من الدول على صعيد العالم، بفوز ماكرون الذي يقدم نفسه «قاطرة» تدفع الاتحاد الأوروبي لمكانة أكثر قوة وسيادة، وسط التحديات التي تهدده أمام روسيا والصين والهيمنة الأمريكية. فقد أكد ماكرون في خطاب الفوز مواصلة العمل لجعل فرنسا وأوروبا أكثر قوة.

 كثيرون من المراقبين أرجعوا فوز ماكرون إلى قدرته على إدارة الأزمات المتتالية، بداية من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتداعيات جائحة كورونا، وصولاً لأزمة أوكرانيا. ويعوّل الأوروبيون على برنامج بدأه ماكرون حيال السياسة الخارجية الذي يستهدف تحقيق السيادة الأوروبية والتعاون مع كافة دول أوروبا في قطاعي الفضاء والشرائح الإلكترونية وغيرها من المجالات.

 إن فوز ماكرون يعتبر ضرورة قصوى مقارنة مع الزعيمة اليمينية المتطرفة، التي لو فازت لأصبحت فرنسا دولة، أقلّ ما يقال عنها إنها «دولة عنصرية».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"